أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٢٨٣
والسؤال الثاني: أنه أسند كل ما قدم إلى يديه في قوله * (بما قدمت يداك) * وكفره الذي هو أعظم ذنوبه، ليس من فعل اليد، وإنما هو من فعل القلب واللسان، وإن كان بعض أنواع البطش باليد، يدل على الكفر، فهو في اللسان والقلب أظهر منه في اليد. وزناه لم يفعله بيده، بل بفرجه، ونحو ذلك من المعاصي التي تزاول بغير اليد.
والجواب عن هذا ظاهر: وهو أن من أساليب اللغة العربية، التي نزل بها القرآن إسناد جميع الأعمال إلى اليد، نظرا إلى أنها الجارحة التي يزاول بها أكثر الأعمال فغلبت على غيرها، ولا إشكال في ذلك.
والسؤال الثالث: هو أن يقال: ما وجه إشارة البعد في قوله * (ذالك بما قدمت يداك) * مع أن العذاب المشار إليه قريب منه حاضر؟.
والجواب عن هذا: أن من أساليب اللغة العربية: وضع إشارة البعد موضع إشارة القرب. وقد أوضحنا هذه المسألة في كتابنا: (دفع إيهام الاضطراب. عن آيات الكتاب) في الكلام على قوله تعالى في أول سورة البقرة: * (ألم ذالك الكتاب) *: أي هذا الكتاب.
ومن شواهد ذلك في اللغة العربية قول خفاف بن ندبة السلمي: ومن شواهد ذلك في اللغة العربية قول خفاف بن ندبة السلمي:
* فإن تك خيلي قد أصيب صميمها * فعمدا على عيني تيممت مالكا * * أقول له والرمح يأطر متنه * أمل خفافا إنني أنا ذلكا * يعني أنا هذا، وما ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة: من أن الكافر يقال له يوم القيامة * (ذالك بما قدمت يداك) * الآية لا يخفى أنه توبيخ، وتفريع، وإهانة له، وأمثال ذلك القول في القرآن كثيرة: كقوله تعالى: * (خذوه فاعتلوه إلى سوآء الجحيم * ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم * ذق إنك أنت العزيز الكريم * إن هاذا ما كنتم به تمترون) * وقوله تعالى: * (يوم يدعون إلى نار جهنم دعا * هاذه النار التى كنتم بها تكذبون * أفسحر هاذا أم أنتم لا تبصرون * اصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سوآء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون) * والآيات بمثل ذلك كثيرة جدا.
قوله تعالى: * (يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذالك هو الضلال البعيد) *.
(٢٨٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 278 279 280 281 282 283 284 285 286 287 288 ... » »»