الله بنقيض قصده فأذله وأهانه. وذلك الذل والإهانة نقيض ما كان يؤمله من الكبر والعظمة.
وهذا المفهوم من هذه الآية دلت عليه آيات أخر كقوله تعالى * (إن فى صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه) * وقوله في إبليس لما استكبر * (فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين) * والصغار: الذل والهوان، عياذا بالله من ذلك، كما قدمنا إيضاحه. وقوله * (ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق) * أي نحرقه بالنار، ونذيقه ألم حرها يوم القيامة: وسمى يوم القيامة: لأن الناس يقومون فيه له جل وعلا، كما قال تعالى * (ألا يظن أولائك أنهم مبعوثون * ليوم عظيم * يوم يقوم الناس لرب العالمين) *.
* (ذالك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد * ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والا خرة ذالك هو الخسران المبين * يدعو من دون الله ما لا يضره وما لا ينفعه ذالك هو الضلال البعيد * يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشير * إن الله يدخل الذين ءامنوا وعملوا الصالحات جنات تجرى من تحتها الا نهار إن الله يفعل ما يريد * من كان يظن أن لن ينصره الله فى الدنيا والا خرة فليمدد بسبب إلى السمآء ثم ليقطع فلينظر هل يذهبن كيده ما يغيظ * وكذالك أنزلناه ءايات بينات وأن الله يهدى من يريد * إن الذين ءامنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامة إن الله على كل شىء شهيد * ألم تر أن الله يسجد له من فى السماوات ومن فى الا رض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدوآب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم إن الله يفعل ما يشآء * هاذان خصمان اختصموا فى ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رءوسهم الحميم * يصهر به ما فى بطونهم والجلود * ولهم مقامع من حديد * كلمآ أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق * إن الله يدخل الذين ءامنوا وعملوا الصالحات جنات تجرى من تحتها الا نهار يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير * وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد * إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذى جعلناه للناس سوآء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم) * قوله تعالى: * (ذالك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد) *. المعنى: أن الكافر إذا أذيق يوم القيامة عذاب الحريق، يقال له ذلك: أي هذا العذاب الذي نذيقكه بسبب ما قدمت يداك: أي قدمته في الدنيا من الكفر والمعاصي: * (وأن الله ليس بظلام للعبيد) * فلا يظلم أحدا مثقال ذرة. * (وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجرا عظيما) * والظاهر أن المصدر المنسبك من أن وصلتها في قوله * (وأن الله ليس بظلام للعبيد) * في محل خفض عطفا على ما المجرورة بالباء.
والمعنى: هذا العذاب الذي يذيقكه الله حصل لك بسببين، وهما ما قدمته يداك، من عمل السوء من الكفر والمعاصي وعدالة من جازاك، ذلك الجزاء الوفاق، وعدم ظلمه. وقد أوضحنا فيما مضى إزالة الإشكال المعروف في نفي صيغة المبالغة، في قوله * (ليس بظلام) * فأغنى ذلك عن إعادته هنا.
وفي هذه الآية الكريمة ثلاثة أسئلة:
الأول: هو ما ذكرنا آنفا أنا أوضحنا الجواب عنه سابقا، وهو: أن المعروف في علم العربية، أن النفي إذا دخل على صيغة المبالغة، لم يقتض نفي أصل الفعل.
فلو قلت: ليس زيد بظلام للناس، فمعناه المعروف: أنه غير مبالغ في الظلم، ولا ينافي ذلك حصول مطلق الظلم فيه. وقد قدمنا إيضاح هذا.