أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٢٧٢
ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد) الحديث. ففي هذا الحديث الصحيح تصريحه صلى الله عليه وسلم بأن الجنين يمكث أربعين يوما نطفة، ثم يصير علقة، ويمكث كذلك أربعين يوما، ثم يصير مضغة ويمكث كذلك أربعين يوما ثم ينفخ فيه الروح، فنفخ الروح إذا في أول الشهر الخامس من أشهر الحمل.
وقال البخاري رحمه الله في صحيحه: حدثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك حدثنا شعبة، أنبأني سليمان الأعمش، قال: سمعت زيد بن وهب، عن عبد الله قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق قال (إن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما ثم علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله ملكا فيؤمر بأربع: برزقه وأجله وشقي أو سعيد) الحديث، وهذه الرواية في البخاري ينقص منها ذكر العمل، وهو مذكور في روايات أخر صحيحة معروفة. وقد قدمنا وجه الدلالة المقصودة من الحديث المذكور والله أعلم.
وفي هذه الآية الكريمة سؤال معروف: وهو أن يقال: ما وجه الإفراد في قوله * (يخرجكم طفلا) * مع أن المعنى نخرجكم أطفالا. وللعلماء عن هذا السؤال أجوبة.
منها ما ذكره ابن جرير الطبري قال: ووحد الطفل وهو صفة للجمع، لأنه مصدر مثل عدل وزور وتبعه غيره في ذلك.
ومنها قول من قال * (نخرجكم طفلا) * أي نخرج كل واحد منكم طفلا، ولا يخفى عدم اتجاه هذين الجوابين. قال مقيده عفا الله عنه وغفر له: الذي يظهر لي من استقراء اللغة العربية التي نزل بها القرآن، هو أن من أساليبها أن المفرد إذا كان اسم جنس يكثر إطلاقه مرادا به الجمع مع تنكيره كما في هذه الآية، وتعريفه بالألف واللام، وبالإضافة فمن أمثلته في القرآن مع التنكير قوله تعالى * (إن المتقين فى جنات ونهر) * أي وأنهار بدليل قوله تعالى * (فيهآ أنهار من مآء غير ءاسن) * وقوله * (واجعلنا للمتقين إماما) * أي أئمة وقوله تعالى * (فإن طبن لكم عن شىء منه نفسا) * أي أنفسا وقوله تعالى * (مستكبرين به سامرا تهجرون) * أي سامرين وقوله تعالى * (لا نفرق بين أحد منهم) * أي بينهم وقوله تعالى * (وحسن أولائك رفيقا) * أي رفقاء وقوله تعالى * (وإن كنتم جنبا فاطهروا) * أي جنبين أو أجنابا وقوله تعالى * (والملائكة بعد ذالك ظهير) * أي مظاهرون ومن أمثلة ذلك مع التنكير في كلام العرب قول عقيل بن علفة المري:
* وكان بنو فزارة شر عم * وكنت لهم كشر بني الأخينا * يعني شر أعمام: وقول قعنب ابن أم صاحب: يعني شر أعمام: وقول قعنب ابن أم صاحب:
* ما بال قوم صديق ثم ليس لهم * دين وليس لهم عقل إذا ائتمنوا *
(٢٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 267 268 269 270 271 272 273 274 275 276 277 ... » »»