أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٤ - الصفحة ٢٧٠
وقد قدمنا أقوال العلماء في المراد بالأشد، وهل هو جمع أو مفرد مع بعض الشواهد العربية في سورة الأنعام، فأغنى ذلك عن إعادته هنا.
وقوله تعالى في هذه الآية * (ومنكم من يتوفى) * أي ومنكم أيها الناس من يتوفى من قبل: أي من قبل بلوغه أشده، ومنكم من ينسأ له في أجله، فيعمر حتى يهرم فيرد من بعد شبابه وبلوغه غاية أشده إلى أرذل العمر، وهو الهرم، حتى يعود كهيئته في حال صباه من الضعف، وعدم العلم.
وقد أوضحنا كلام العلماء في أرذل العمر ومعنى * (لكيلا يعلم من بعد علم شيئا) * في سورة النحل، فأغنى ذلك عن إعادته هنا.
وهذا الذي ذكره جل وعلا في هذه الآية الكريمة من الاستدلال على كمال قدرته، على بعث الناس بعد الموت، وعلى كل شيء ينقله الإنسان من طور إلى طور، من تراب، ثم من نطفة، ثم من علقة إلى آخر الأطوار المذكورة، ذكره جل وعلا في مواضع من كتابه مبينا أنه من البراهين القطعية على قدرته، على البعث وغيره.
فمن الآيات التي ذكر فيها ذلك من غير تفصيل لتلك الأطوار قوله تعالى * (كلا إنا خلقناهم مما يعلمون) * وقوله تعالى * (ما لكم لا ترجون لله وقارا * وقد خلقكم أطوارا) * أي طورا بعد طور كما بينا قوله تعالى * (خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها وأنزل لكم من الا نعام ثمانية أزواج يخلقكم فى بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق فى ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا إلاه إلا هو فأنى تصرفون) * وقوله في آية الزمر هذه في ظلمات ثلاث: أي ظلمة البطن، وظلمة الرحم، وظلمة المشيمة. فقد ركب تعالى عظام الإنسان بعضها ببعض وكساها اللحم، وجعل فيها العروق والعصب، وفتح مجاري البول والغائط، وفتح العيون والآذان والأفواه وفرق الأصابع وشد رؤوسها بالأظفار إلى غير ذلك من غرائب صنعه، وعجائبه، وكل هذا في تلك الظلمات الثلاث، لم يحتج إلى شق بطن أمه وإزالة تلك الظلمات.
سبحانه جل وعلا ما أعظم شأنه وما أكمل قدرته هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إلاه إلا الله هو العزيز الحكيم، ولأجل هذه الغرائب والعجائب من صنعه تعالى قال بعد التنبيه عليها * (ذلكم الله ربكم له الملك لا إلاه إلا هو فأنى تصرفون) * ومن
(٢٧٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 265 266 267 268 269 270 271 272 273 274 275 ... » »»