التجاوز عن ذلك هو ما خصه الله به من التفضيل على غيره من الرسل. والحديث المذكور وإن أعله الإمام أحمد وابن أبي حاتم فله شواهد ثابتة في الكتاب والسنة. ولم يزل علماء الأمة قديما وحديثا يتلقونه بالقبول. ومن الأدلة على ذلك حديث طارق بن شهاب المشهور في الذي دخل النار في ذباب قربه مع أنه مكره وصاحبه الذي امتنع من تقريب شيء للصنم ولو ذبابا قتلوه. فدل ذلك على أن الذي قربه مكره. لأنه لو لم يقرب لقتلوه كما قتلوا صاحبه، ومع هذا دخل النار فلم يكن إكراهه عذرا. ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى عن أصحاب الكهف: * (إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم فى ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا) * فقوله: * (يرجموكم أو يعيدوكم فى ملتهم) * دليل على الإكراه، وقوله: * (ولن تفلحوا إذا أبدا) * دليل على عدم العذر بذلك الإكراه. كما أوضحنا ذلك في غير هذا الموضع.
واعلم أن في شرعنا ما يدل على نوع من التكليف بذلك في الجملة، كقوله تعالى: * (ومن قتل مؤمنا خطئا فتحرير رقبة) *. فتحرير الرقبة هنا كفارة لذلك القتل خطأ. والكفارة تشعر بوجود الذنب في الجملة. كما يشير إلى ذلك قوله في كفارة القتل خطأ * (فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليما حكيما) * فجعل صوم الشهرين بدلا من العتق عند العجز عنه. وقوله بعد ذلك * (توبة من الله) * يدل على أن الله هناك مؤاخذه في الجملة بذلك الخطأ، مع قوله: * (وليس عليكم جناح فيمآ أخطأتم به) * وما قدمنا من حديث مسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ * (لا تؤاخذنآ إن نسينآ أو أخطأنا) * قال الله نعم قد فعلت، فالمؤاخذة التي هي الإثم مرفوعة والكفارة المذكورة. قال بعض أهل العلم: هي بسبب التقصير في التحفظ والحذر من وقوع الخطأ والنسيان، والله جل وعلا أعلم.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: * (وعصىءادم ربه فغوى) * هو ونحوه من الآيات مستند من قال من أهل الأصول بعدم عصمة الأنبياء من الصغائر التي لا تتعلق بالتبليغ. لأنهم يتدراكونها بالتوبة والإنابة إلى الله حتى تصير كأنها لم تكن.
واعلم أن جميع العلماء أجمعوا على عصمة الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم في كل ما يتعلق بالتبليغ. واختلفوا في عصمتهم من الصغائر التي لا تعلق لها بالتبليغ اختلافا مشهورا معروفا في الأصول. ولا شك أنهم صلوات الله عليهم وسلامه إن وقع