أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٣ - الصفحة ٤٩٤
الجمع. وإلى هذا الإبطال أشار تعالى بقوله: * (قل ءآلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين) * أي فلو كانت العلة الذكورة لحرم كل ذكر. ولو كانت الأنوثة لحرمت كل أنثى. ولو كانت اشتمال الرحم عليهما لحرم الجميع. وكون ذلك تعبديا يقتضي أن الله وصاكم به بلا واسطة. إذ لم يأتكم منه رسول بذلك. فدل ذلك على أنه باطل أيضا، وأشار تعالى إلى بطلانه بقوله: * (أم كنتم شهدآء إذ وصاكم الله بهاذا) * لم بين أن ذلك التحريم بغير دليل من أشنع الظلم، وأنه كذب مفتري وإضلال بقوله: * (فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم الظالمين) * ثم أكد عدم التحريم في ذلك بقوله: * (قل لا أجد فى مآ أوحى إلى محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به) *.
والحاصل أن إبطال جميع الأوصاف المذكورة دليل على بطلان الحكم المذكور كما أوضحنا. ومن أمثلة السبر والتقسيم في القرآن قوله تعالى: * (أم خلقوا من غير شىء أم هم الخالقون) * فكأنه تعالى يقول: لا يخلو الأمر من واحدة من ثلاث حالات بالتقسيم الصحيح. الأولى أن يكونوا خلقوا من غير شيء أي بدون خالق أصلا. الثانية أن يكونوا خلقوا أنفسهم. الثالثة أن يكون خلقهم خالق غير أنفسهم. ولا شك أن القسمين الأولين باطلان، وبطلانهما ضروري كما ترى، فلا حاجة إلى إقامة الدليل عليه لوضوحه. والثالث هو الحق الذي لا شك فيه، وهو جل وعلا خالقهم المستحق منهم أن يعبدوه وحده جل وعلا.
واعلم أن المنطقيين والأصوليين والجدليين كل منهم يستعملون هذا الدليل في غرض ليس هو غرض الآخر من استعماله، إلا أن استعماله عند الجدليين أعم من استعماله عند المنطقيين والأصوليين.
المسألة الثانية اعلم أن مقصود الجدليين من هذا الدليل معرفة الصحيح والباطل من أوصاف محل النزاع، وهو عندكم يتركب من أمرين: الأول حصر أوصاف المحل. والثاني إبطال الباطل منها وتصحيح الصحيح مطلقا، وقد تكون باطلة كلها فيتحقق بطلان الحكم المستند إليها، كآية * (قل ءآلذكرين) * المتقدمة. وقد يكون بعضها باطلا وبعضها
(٤٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 489 490 491 492 493 494 495 496 497 498 499 ... » »»