أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٣ - الصفحة ٤٩٣
. وحذف في (البقرة) قسم اطلاع للغيب المذكور في (مريم) لدلالة ذكره في (مريم) على قصده في (البقرة) كما أن كذبهم الذي صرح به في (البقرة) لم يصرح به في (مريم) لأن ما في (البقرة) يبين ما في (مريم) لأن القرآن العظيم يبين بعضه بعضا. وذلك في قوله تعالى: * (وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون) * فالأوصاف هنا هي الأوصاف الثلاثة المذكورة في (مريم) كما أوضحنا، وما حذل منها يدل عليه ذكره في (مريم) فاتخاذ العهد ذكره في (البقرة ومريم) معا والكذب في ذلك على الله صرح به في (البقرة) بقوله: * (أم تقولون على الله ما لا تعلمون) * وأشار له في (مريم) بحرف الزجر الذي هو * (كلا) * واطلاع الغيب صرح به في (مريم) وحذفه في (البقرة) لدلالة ما في (مريم) على المقصود في (البقرة) كما أوضحنا.
مسائل تتعلق بهذه الآية الكريمة.
المسألة الأولى اعلم أن هذا الدليل الذي هو السبر والتقسيم تكرر وروده في القرآن العظيم، وقد ذكرنا الآن مثالين لذلك أحدهما في (البقرة) والثاني في (مريم) كما أوضحناه آنفا. وذكر السيوطي في الإتقان في كلامه على جدل القرآن مثالا واحدا للسبر والتقسيم، ومضمون المثال الذي ذكره باختصار، هو ما تضمنه قوله تعالى: * (ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين) *، فكأن الله يقول للذين حرموا بعض الإناث كالبحائر والسوائب دون بعضها، وحرموا بعض الذكور كالحامي دون بعضها: لا يخلو تحريمكم لبعض ما ذكر دون بعضه من أن يكون معللا بعلة معقولة أو تعبديا. وعلى أنه معلل بعلة فإما أن تكون العلة في المحرم من الإناث الأنوثة، ومن الذكور الذكورة. أو تكون العلة فيهما معا التخلق في الرحم، واشتمالها عليهما، هذه هي الأقسام التي يمكن ادعاء إناطة الحكم بها. ثم بعد حصر الأوصاف بهذا التقسيم نرجع إلى سبر الأقسام المذكورة. أي اختبارها ليتميز الصحيح من الباطل فنجدها كلها باطلة بالسبر الصحيح، لأن كون العلة الذكورة يقتضي تحريم كل ذكر وأنتم تحلون بعض الذكور، فدل ذلك على بطلان التعليل بالذكورة لقادح النقض الذي هو عدم الاطراد. وكون العلة الأنوثة يقتضي تحريم كل أنثى كما ذكرنا فيما قبله. وكون العلة اشتمال الرحم عليهما يقتضي تحريم
(٤٩٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 488 489 490 491 492 493 494 495 496 497 498 ... » »»