وقال: * (ولقد ءاتينا داوود منا فضلا ياجبال أوبى معه والطير وألنا له الحديد أن اعمل سابغات وقدر فى السرد واعملوا صالحا) *. فقوله: * (أن اعمل سابغات وقدر فى السرد) * يدل على الاستعداد لمكافحة العدو، وقوله * (واعملوا صالحا) * يدل على أن ذلك الاستعداد لمكافحة العدو في حدود الدين الحنيف. وداود من أنبياء (سورة الأنعام) المذكورين فيها في قوله تعالى: * (ومن ذريته داوود) *، وقد قال تعالى مخاطبا لنبينا صلى الله عليه وسلم وعليهم بعد أن ذكرهم: * (أولائك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) *.
وقد ثبت في صحيح البخاري عن مجاهد أنه سأل ابن عباس رضي الله عنهما من أين أخذت السجدة (في ص) فقال: أو ما تقرأ * (ومن ذريته داوود) * * (أولائك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) * فسجدها داود، فسجدها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فدل ذلك على أنا مخاطبون بما تضمنته الآية مما أمر به داود. فعلينا أن نستعد لكفاح العدو مع التمسك بديننا، وانظر قوله تعالى: * (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة) * فهو أمر جازم بإعداد كل ما في الاستطاعة من قوة ولو بلغت القوة من التطور ما بلغت. فهو أمر جازم بمسايرة التطور في الأمور الدنيوية، وعدم الجمود على الحالات الأول إذا طرأ تطور جديد. ولكن كل ذلك مع التمسك بالدين.
ومن أوضح الأدلة في ذلك قوله تعالى: * (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلواة فلتقم طآئفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورآئكم ولتأت طآئفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم) *. فصلاة الخوف المذكورة في هذه الآية الكريمة تدل على لزوم الجمع بين مكافحة العدو، وبين القيام بما شرعه الله جل وعلا من دينه. فأمره تعالى في هذه الآية بإقامة الصلاة في وقت التحام الكفاح المسلح يدل على ذلك دلالة في غاية الوضوح، وقد قال تعالى: * (ياأيها الذين ءامنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون) * فأمره في هذه الآية الكريمة بذكر الله كثيرا عند التحام القتال يدل على ذلك أيضا دلالة واضحة. فالكفار خيلوا لضعاف العقول أن النسبة بين التقدم والتمسك بالدين، والسمت الحسن والأخلاق الكريمة تباين مقابلة كتباين النقيضين كالعدم والوجود، والنفي والإثبات. أو الضدين