المهاجري: يا للمهاجرينا! فسمعها الله رسوله قال: (ما هذا)؟ فقالوا: كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (دعوها فإنها منتنة) الحديث. فقول هذا الأنصاري: يا للأنصار، وهذا المهاجري: يا للمهاجرين هو النداء بالقومية العصبية بعينه، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (دعوها فإنها منتنة) يقتضي وجوب ترك النداء بها. لأن قوله (دعوها) أمر صريح بتركها، والأمر المطلق يقتضي الوجوب على التحقيق كما تقرر في الأصول. لأن الله يقول: * (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) *، ويقول لإبليس: * (ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك) * فدل على أن مخالفة الأمر معصية. وقال تعالى عن نبيه موسى في خطابه لأخيه: * (أفعصيت أمرى) * فأطلق اسم المعصية على مخالفة الأمر: وقال تعالى: * (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم) * فدلت الآية على أن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم مانع من الاختيار، موجب للامتثال. لا سيما وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأمر بالترك بقوله: (فإنها منتنة) وحسبك بالنتن موجبا للتباعد لدلالته على الخبث البالغ.
فدل هذا الحديث الصحيح على أن النداء برابطة القومية مخالف لما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، وأن فاعله يتعاطى المنتن، ولا شك أن المنتن خبيث، والله تعالى يقول: * (الخبيثات للخبيثين) *، ويقول: * (ويحرم عليهم الخبائث) * وحديث جابر هذا الذي قدمناه عن البخاري أخرجه أيضا مسلم في صحيحه قال رحمه الله: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة. وزهير بن حرب، وأحمد بن عبدة الضبي، وابن أبي عمر، واللفظ لابن أبي شيبة قال ابن عبدة: أخبرنا وقال الآخرون: حدثنا سفيان بن عيينة قال: سمع عمرو جابر بن عبد الله يقول: كنا مع النبي في غزاة، فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصارا وقال المهاجري: يا للمهاجرين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما بال دعوى الجاهلية) ا قالوا: يا رسول الله، كسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار. فقال: (دعوها فإنها منتنة.) الحديث.
وقد عرفت وجه لدلالة هذا الحديث على التحريم، مع أن في بعض رواياته الثابتة في الصحيح التصريح بأن دعوى الرجل: (يا لبني فلان) من دعوى الجاهلية. وإذا صح بذلك