أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٣ - الصفحة ٢٤٤
.
وأما إن كانت الأعمال من جنس اكتساب المباحات فلا تصح فيها الشركة عند الحنفية، كالاحتطاب والأحتشاش، والاصطياد واجتناه الثمار من الجبال والبراري، خلافا للمالكية والحنابلة.
ووجه منعه عند الحنفية أن من اكتسب مباحا كحطب أو حشيش أو صيد ملكه ملكا مستقلا. فلا وجه لكون جزء منه لشريك آخر، لأنه لا يصح التوكيل فيه ومن أجازه قال: إن كل واحد منهما جعل للآخر نصيبا من ذلك المباح الذي يكتسبه في مقابل النصيب الذي يكتسبه الآخر. والمالكية القائلون بجواز هذا يشترطون اتحاد العمل أو تقاربه، فلا غرر في ذلك، ولا موجب للمنع. وفي اشتراط ذلك عند الحنابلة خلاف كما سيأتي إن شاء الله.
وأما (شركة الوجوه) التي قدمنا أنها هي المعروفة عند المالكية (بشركة الذمم) وقدمنا منعها عند المالكية والشافعية فهي جائزة عند الحنفية، سواء كانت مفاوضة أو عنانا. وقد علمت مما تقدم أن المفاوضة عندهم تتضمن الوكالة والكفالة. وأن العنان تتضمن الوكالة فقط، وإن اشترط الشريكان في (شركة الوجوه) مناصفة المشتري أو مثالثته فالربح كذلك عندهم وبطل عندهم شرط الفضل. لأن الربح عندهم لا يستحق إلا بالعمل. كالمضارب أو بالمال كرب المال. أو بالضمان كالأستاذ الذي يتقبل العمل من الناس ويلقيه على التلميذ بأقل مما أخذ، فيطيب له الفضل بالضمان هكذا يقولونه. ولا يخفى ما في (شركة الوجوه) من الغرر.
واعلم أن الربح في الشركة الفاسدة على حسب المال إن كانت شركة مال، وعلى حسب العمل إن كانت شركة عمل، وهذا واضح، وتبطل الشركة بموت أحدهما. وأما تفصيل أنواع الشركة في مذهب الإمام أحمد رحمه الله فهي أيضا قسمان: شركة أملاك، وشركة عقود.
وشركة العقود عند الحنابلة خمسة أنواع: شركة العنان، والأبدان، والوجوه، والمضاربة، والمفاوضة.
أما شركة الأبدان فهي جائزة عندهم، سواء كان العمل من الصناعات أو اكتساب المباحات. أما مع اتحاد العمل فهي جائزة عندهم بلا خلاف. وأما مع اختلاف العمل فقال أبو الخطاب: لا تجوز وفاقا للمالكية. وقال القاضي: تجوز وفاقا للحنفية
(٢٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 239 240 241 242 243 244 245 246 247 248 249 ... » »»