أي ينذرهم بأسا شديدا * (من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا) * أي من عنده كما تقدم. وهذا من عطف الخاص على العام، لأن قوله * (لينذر بأسا شديدا من لدنه) * شامل للذين قالوا اتخذ الله ولدا، ولغيرهم من سائر الكفار.
وقد تقرر في فن المعاني: أن عطف الخاص على العام إذا كان الخاص يمتاز عن سائر أفراد العام بصفات حسنة أو قبيحة من الإطناب المقبول، تنزيلا للتغاير في الصفات منزلة التغاير في الذوات.
ومثاله في الممتاز عن سائر أفراد العام بصفات حسنة قوله تعالى: * (وملائكته ورسله وجبريل) *، وقوله: * (وإذ أخذنا من النبيين ميثاقهم ومنك ومن نوح) *.
ومثاله في الممتاز بصفات قبيحة الآية التي نحن بصددها، فإن * (الذين قالوا اتخذ الله ولدا) * امتازوا عن غيرهم بفرية شنعاء. ولذا ساغ عطفهم على اللفظ الشامل لهم ولغيرهم.
والآيات الدالة على شدة عظم فريتهم كثيرة جدا. كقوله هنا: * (كبرت كلمة تخرج من أفواههم) *، وكقوله تعالى: * (وقالوا اتخذ الرحمان ولدا لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الا رض وتخر الجبال هدا أن دعوا للرحمان ولدا وما ينبغى للرحمان أن يتخذ ولدا) *، وقوله: * (أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما) * والآيات بمثل هذا كثيرة معلومة.
وقد قدمنا أن القرآن بين أن الذين نسبوا الولد لله سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ثلاثة أصناف من الناس: اليهود، والنصارى، قال تعالى: * (وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذالك قولهم بأفواههم) *. والصنف الثالث مشركو العرب. كما قال تعالى عنهم: * (ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون) *، والآيات بنحوها كثيرة معلومة.
وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: * (ما لهم به من علم ولا لأبآئهم) * يعني أن ما نسبوه له جل وعلا من اتخاذ الولد لا علم لهم به. لأنه مستحيل.
والآية تدل دلالة واضحة على أن نفي الفعل لا يدل على إمكانه. ومن الآيات الدالة على ذلك قوله تعالى: * (وما ظلمونا ولاكن كانوا أنفسهم يظلمون) * لأن ظلمهم