رجلا ضربه بشويق، ولم يكن على ذلك بينة قاطعة إلا لطخ أو شبيه ذلك، وفي الناس يومئذ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن فقهاء الناس ما لا يحصى، وما اختلف اثنان منهم أن يحلف ولاة المقتول ويقتلوا أو يستحيوا. فحلفوا خمسين يمينا وقتلوا، وكانوا يخبرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالقسامة، ويرونها للذي يأتي به من اللطخ أو الشبهة أقوى مما يأتي به خصمه، ورأوا ذلك في الصهيبي حين قتله الحاطبيون وفي غيره. ورواه ابن وهب عن أبي الزناد وزاد فيه: أن معاوية كتب إلى سعيد بن العاص: إن كان ما ذكرنا له حقا أن يحلفنا على القاتل ثم يسلمه إلينا.
وقال البيهقي في سننه أيضا: أخبرنا أبو سعيد بن أبي عمرو، ثنا أبو العباس الأصم، ثنا بحر بن نصر، ثنا عبد الله بن وهب، أخبرني عبد الرحمن بن أبي الزناد: أن هشام بن عروة أخبره: أن رجلا من آل حاطب بن أبي بلتعة كانت بينه وبين رجل من آل صهيب منازعة.. فذكر الحديث في قتله قال: فركب يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب إلى عبد الملك بن مروان في ذلك. فقضى بالقسامة على ستة نفر من آل حاطب، فثنى عليهم الأيمان، فطلب آل حاطب أن يحلفوا على اثنين ويقتلوهما. فأبى عبد الملك إلا أن يحلفوا على واحد فيقتلوه. فحلفوا على الصهيبي فقتلوه. قال هشام: فلم ينكر ذلك عروة، ورأى أن قد أصيب فيه الحق، وروينا فيه عن الزهري وربيعة.
ويذكر عن ابن أبي مليكة عن عمر بن عبد العزيز وابن الزبير: أنهما أقادا بالقسامة.
ويذكر عن عمر بن عبد العزيز أنه رجع عن ذلك وقال: إن وجد أصحابه بينة وإلا فلا تظلم الناس. فإن هذا لا يقضى فيه إلى يوم القيامة انتهى كلام البيهقي رحمه الله.
هذه هي أدلة من أوجب القود بالقسامة.
وأما حجج من قال: لا يجب بها إلا الدية فمنها ما ثبت في بعض روايات حديث سهل المذكور عند مسلم وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إما أن يدوا صاحبكم، وإما أن يؤذنوا بحرب).
قال النووي في شرح مسلم: معناه إن ثبت القتل عليهم بقسامتكم فإما أن يدوا صاحبكم أي يدفعوا إليكم ديته وإما أن يعلمونا أنهم ممتنعون من التزام أحكامنا. فينتقض عهدهم، ويصيرون حربا لنا.
وفيه دليل لمن يقول: الواجب بالقسامة الدية دون القصاص اه كلام النووي،