فيبقى الجميع للبائع دفعا لضرر اختلاف الأيدي. واعلم أن استثناء بعض الثمرة دون بعض يجوز في قول جمهور العلماء وفاقا لأشهب من أصحاب مالك وخالف بن القاسم فقال: لا يجوز استثناء بعض المؤبرة. وحجة الجمهور أن ما جاز استثناء جميعه جاز استثناء بعضه، وحجة ابن القاسم أن النص إنما ورد في اشتراط الجميع.
واعلم أن أكثر العلماء على أن الثمرة المؤبرة التي هي للبائع إن لم يستثنها المشتري فإنها تبقى إلى وقت الانتفاع المعتاد بها ولا يكلفه المشتري بقطعها في الحال، وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد. وخالف في ذلك أبو حنيفة قائلا: يلزم قطعها في الحال وتفريغ النخل منها لأنه مبيع مشغول بملك البائع فلزم نقله وتفريغه منه كما لو باع دارا فيها طعام أو قماش له. واحتج الجمهور بأن النقل والتفريغ للمبيع على حسب العرف والعادة كما لو باع دارا فيها طعام لم يجب نقله على حسب العادة في ذلك وهو أن ينقله نهارا شيئا بعد شيء ولا يلزمه النقل ليلا ولا جمع دواب البلد لنقله، كذلك ها هنا يفرغ النخل من الثمرة في أوان وهو وقت الجذاذ، قاله ابن قدامة في المغني. * * المسألة الرابعة: لو اشتريت النخل وبقيت الثمرة للبائع فهل لمشتري الأصل أن يشتري الثمرة قبل بدو صلاحها؟
أولا: اختلف العلماء في ذلك، فمشهور مذهب مالك جواز ذلك لأن لها عنده حكم التبعية وإن أفردت بالعقد، وعنه في رواية أخرى: لا يجوز ذلك. وللشافعية والحنابلة وجهان بالمنع والجواز. قال ابن قدامة في المغني، ونسب القرطبي للشافعي وأبي حنيفة والثوري وأهل الظاهر وفقهاء الحديث القول بمنع ذلك ثم قال: وهو الأظهر من أحاديث النهي عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها. * * المسألة الخامسة: إذا اشتريت الثمرة وحدها دون الأصل قبل بدو صلاحها فلها ثلاث حالات:
الأولى: أن يبيعها بشرط التبقية إلى وقت الجذاذ، وفي هذه الحالة لا يصح البيع إجماعا.
الثانية: أن يبيعها بشرط قطعها في الحال، وفي هذه الحالة يصح البيع إجماعا. الثالثة: أن يبيعها من غير شرط تبقية ولا قطع بل سكتا عن ذلك وعقدا البيع مطلقا دون شرط، وفي هذه الحالة لا يصح البيع عند جمهور العلماء منهم مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله تعالى. وأجاز أبو حنيفة رحمه الله البيع في هذه الحالة وأوجب قطع الثمرة حالا، قال: لأن إطلاق العقد يقتضي القطع فهو كما لو اشترطه، وحجة الجمهور إطلاق النصوص الواردة بذلك عنه صلى الله عليه وسلم. من ذلك ما أخرجه الشيخان