أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٢ - الصفحة ٢١٨
* (ذلك من أنبآء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون * ومآ أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين * وما تسألهم عليه من أجر إن هو إلا ذكر للعالمين * وكأين من ءاية فى السماوات والا رض يمرون عليها وهم عنها معرضون * وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون * أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة وهم لا يشعرون * قل هاذه سبيلى أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعنى وسبحان الله ومآ أنا من المشركين * ومآ أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحى إليهم من أهل القرى أفلم يسيروا فى الا رض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم ولدار الا خرة خير للذين اتقوا أفلا تعقلون * حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا جآءهم نصرنا فنجى من نشآء ولا يرد بأسنا عن القوم المجرمين * لقد كان فى قصصهم عبرة لاولى الألباب ما كان حديثا يفترى ولاكن تصديق الذى بين يديه وتفصيل كل شىء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) * قوله تعالى: * (وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون) *. لم يبين هنا هذا الذي أجمعوا أمرهم عليه، ولم يبين هنا أيضا المراد بمكرهم. ولكنه بين في أول هذه السورة الكريمة أن الذي أجمعوا أمرهم عليه هو جعله في غيابة الجب، وأن مكرهم هو ما فعلوه بأبيهم يعقوب وأخيهم يوسف. وذلك في قوله: * (فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه فى غيابة الجب) * إلى قوله * (والله المستعان على ما تصفون) *.
وقد أشار تعالى في هذه الآية الكريمة إلى صحة نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم. لأنه أنزل عليه هذا القرآن، وفصل له هذه القصة. مع أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن حاضرا لدى أولاد يعقوب حين أجمعوا أمرهم على المكر به، وجعله في غيابة الجب. فلولا أن الله أوحى إليه ذلك ما عرفه من تلقاء نفسه.
والآيات المشيرة لإثبات رسالته، بدليل إخباره بالقصص الماضية التي لا يمكنه على حقائقها إلا عن طريق الوحي كثيرة. كقوله: * (وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم) *.
وقوله: * (وما كنت بجانب الغربى إذ قضينآ إلى موسى الا مر) *.
وقوله: * (ولكنآ أنشأنا قرونا فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاويا فى أهل مدين تتلو عليهم ءاياتنا ولكنا كنا مرسلين) *.
وقوله: * (وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولاكن رحمة من ربك) *.
وقوله: * (ما كان لى من علم بالملإ الا على إذ يختصمون إن يوحى إلى إلا أنمآ أنا نذير مبين) *.
وقوله: * (تلك من أنبآء الغيب نوحيهآ إليك ما كنت تعلمهآ أنت ولا قومك من قبل هاذا) *. إلى غير ذلك من الآيات.
فهذه الآيات من أوضح الأدلة على أنه صلى الله عليه وسلم، رسول كريم، وإن كانت المعجزات الباهرة الدالة على ذلك أكثر من الحصر. قوله تعالى: * (وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون) *. قال ابن عباس، والحسن، ومجاهد، وعامر الشعبي، وأكثر المفسرين: إن معنى هذه الآية أن أكثر الناس، وهم الكفار ما كانوا يؤمنون بالله بتوحيدهم له في ربوبيته إلا وهم مشركون به غيره في عبادته.
فالمراد بإيمانهم اعترافهم بأنه ربهم الذي هو خالقهم ومدبر شؤونهم، والمراد بشركهم عبادتهم غيره معه، والآيات الدالة على هذا المعنى كثيرة جدا، كقوله: * (قل من يرزقكم من السمآء والا رض أمن يملك السمع والا بصار ومن يخرج الحى من الميت
(٢١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 ... » »»