أضواء البيان - الشنقيطي - ج ٢ - الصفحة ١١٦
عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين) *.
ذكر تعالى ما أصاب المسلمين يوم حنين في هذه الآية الكريمة، وذكر ما أصابهم يوم أحد بقوله: * (إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم فى أخراكم) *، وصرح بأنه تاب على من تولى يوم أحد بقوله: * (إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم) *، وأشار هنا إلى توبته على من تولى يوم حنين بقوله: * (ثم يتوب الله من بعد ذالك على من يشآء والله غفور رحيم) * كما أشار بعض العلماء إليه. * (ياأيها الذين ءامنوا إن كثيرا من الا حبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم * يوم يحمى عليها فى نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هاذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون * إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والا رض منهآ أربعة حرم ذالك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كآفة كما يقاتلونكم كآفة واعلموا أن الله مع المتقين * إنما النسىء زيادة فى الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدي القوم الكافرين * ياأيها الذين ءامنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا فى سبيل الله اثاقلتم إلى الا رض أرضيتم بالحيواة الدنيا من الا خرة فما متاع الحياة الدنيا فى الا خرة إلا قليل * إلا تنفروا يعذبكم عذابا أليما ويستبدل قوما غيركم ولا تضروه شيئا والله على كل شىء قدير * إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما فى الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هى العليا والله عزيز حكيم * انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم فى سبيل الله ذالكم خير لكم إن كنتم تعلمون * لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ولاكن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون * عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين * لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الا خر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين * إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الا خر وارتابت قلوبهم فهم فى ريبهم يترددون * ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ولاكن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين * لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولاوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين * لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور حتى جآء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون * ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتنى ألا فى الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين * إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون * قل لن يصيبنآ إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون * قل هل تربصون بنآ إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون * قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم إنكم كنتم قوما فاسقين * وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلواة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون * فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحيواة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون * ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولاكنهم قوم يفرقون * لو يجدون ملجئا أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون * ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون * ولو أنهم رضوا مآ ءاتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنآ إلى الله راغبون * إنما الصدقات للفقرآء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفى الرقاب والغارمين وفى سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم * ومنهم الذين يؤذون النبى ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين ءامنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم * يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين * ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم خالدا فيها ذالك الخزى العظيم * يحذر المنافقون أن تنزل عليهم سورة تنبئهم بما في قلوبهم قل استهزءوا إن الله مخرج ما تحذرون * ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبالله وءاياته ورسوله كنتم تستهزءون * لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم إن نعف عن طآئفة منكم نعذب طآئفة بأنهم كانوا مجرمين * المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون * وعد الله المنافقين والمنافقات والكفار نار جهنم خالدين فيها هى حسبهم ولعنهم الله ولهم عذاب مقيم * كالذين من قبلكم كانوا أشد منكم قوة وأكثر أموالا وأولادا فاستمتعوا بخلاقهم فاستمتعتم بخلاقكم كما استمتع الذين من قبلكم بخلاقهم وخضتم كالذي خاضوا أولائك حبطت أعمالهم في الدنيا والا خرة وأولائك هم الخاسرون * ألم يأتهم نبأ الذين من قبلهم قوم نوح وعاد وثمود وقوم إبراهيم وأصحاب مدين والمؤتفكات أتتهم رسلهم بالبينات فما كان الله ليظلمهم ولاكن كانوا أنفسهم يظلمون * والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أوليآء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلواة ويؤتون الزكواة ويطيعون الله ورسوله أولائك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم * وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة فى جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذالك هو الفوز العظيم * ياأيها النبى جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير * يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيرا لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما فى الدنيا والا خرة وما لهم فى الا رض من ولي ولا نصير * ومنهم من عاهد الله لئن ءاتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين * فلمآ ءاتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون * فأعقبهم نفاقا فى قلوبهم إلى يوم يلقونه بمآ أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون * ألم يعلموا أن الله يعلم سرهم ونجواهم وأن الله علام الغيوب * الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم * استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ذالك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين) * قوله تعالى: * (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله) *.
أظهر الأقوال وأقربها للصواب في معنى * (يكنزون) * في هذه الآية الكريمة، أن المراد بكنزهم الذهب والفضة وعدم إنفاقهم لها في سبيل الله، أنهم لا يؤدون زكاتهما.
قال ابن كثير في تفسير هذه الآية: وأما الكنز؟ فقال مالك: عن عبد الله بن دينار. عن ابن عمر. هو المال الذي لا تؤدى زكاته.
وروى الثوري، وغيره، عن عبيد الله، عن نافع، عن ابن عمر، قال: ما أدى زكاته فليس بكنز وإن كان نحت سبع أرضين، وما كان ظاهرا لا تؤدى زكاته فهو كنز، وقد روي هذا عن ابن عباس، وجابر، وأبي هريرة، موقوفا ومرفوعا.
وقال عمر بن الخطاب نحوه: أيما مال أديت زكاته فليس بكنز وإن كان مدفونا في الأرض، وأيما مال لم تؤد زكاته فهو كنز يكوى به صاحبه، وإن كان على وجه الأرض اه.
وممن روى عنه هذا القول عكرمة، والسدي، ولا شك أن هذا القول أصوب الأقوال، لأن من أدى الحق الواجب في المال الذي هو الزكاة لا يكوى بالباقي إذا أمسكه، لأن الزكاة تطهره كما قال تعالى: * (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها) * ولأن المواريث ما جعلت إلا في أموال تبقى بعد مالكيها.
ومن أصرح الأدلة في ذلك، حديث طلحة بن عبيد الله وغيره في قصة الأعرابي أخي بني سعد، من هوازن، وهو ضمام بن ثعلبة لما أخبره النبي صلى الله عليه وسلم: بأن الله فرض عليه الزكاة، وقال: هل على غيرها، فإن النبي قال له: لا، إلا أن تطوع: وقوله تعالى: * (ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو) * وقد قدمنا في (البقرة) تحقيق أنه ما زاد
(١١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 ... » »»