أضواء البيان - الشنقيطي - ج ١ - الصفحة ٩٤
.
ومما يؤيد أنه لا يجوز إتيان النساء في أدبارهن أن الله تعالى حرم الفرج في الحيض لأجل القذر العارض له مبينا أن ذلك القذر هو علة المنع بقوله: * (قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض) *. فمن باب أولى تحريم الدبر للقذر والنجاسة اللازمة ولا ينتقض ذلك بجواز وطء المستحاضة؛ لأن دم الإستحاضة ليس في الاستقذار كدم الحيض ولا كنجاسة الدبر؛ لأنه دم انفجار العرق فهو كدم الجرح ومما يؤيد منع الوطء في الدبر إطباق العلماء على أن الرتقاء التي لا يوصل إلى وطئها معيبة ترد بذلك العيب.
قال ابن عبد البر: لم يختلف العلماء في ذلك إلا شيئا جاء عن عمر بن عبد العزيز من وجه ليس بالقوي أن الرتقاء لا ترد بالرتق. والفقهاء كلهم على خلاف ذلك.
قال القرطبي: وفي إجماعهم هذا دليل على أن الدبر ليس بموضع وطء ولو كان موضعا للوطء ما ردت من لا يوصل إلى وطئها في الفرج. فإن قيل: قد يكون رد الرتقاء لعلة عدم النسل فلا ينافي أنها توطأ في الدبر فالجواب أن العقم لا يرد به ولو كانت علة رد الرتقاء عدم النسل لكان العقم موجبا للرد.
وقد حكى القرطبي الإجماع على أن العقم لا يرد به في تفسير قوله تعالى: * (فأتوا حرثكم) * فإذا تحققت من هذه الأدلة أن وطء المرأة في دبرها حرام. فاعلم أن من روى عنه جواز ذلك كابن عمر وأبي سعيد وجماعات من المتقدمين والمتأخرين يجب حمله على أن مرادهم بالإتيان في الدبر إتيانها في الفرج من جهة الدبر كما يبينه حديث جابر والجمع واجب إذا أمكن. قال ابن كثير في تفسير قوله: * (فأتوا حرثكم أنى شئتم) * ما نصه: قال أبو محمد عبد الرحمان بن عبد الله الدارمي في مسنده: حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا الليث عن الحارث بن يعقوب عن سعيد بن يسار أبي الحباب قال: قلت لابن عمر: ما تقول في الجواري أيحمض لهن؟ قال: وما التحميض؟ فذكر الدبر فقال: وهل يفعل ذلك أحد من المسلمين؟. وكذا رواه ابن وهب وقتيبة عن الليث.
وهذا إسناد صحيح ونص صريح منه بتحريم ذلك. فكل ما ورد عنه مما يحتمل ويحتمل فهو مردود إلى هذا المحكم منه بلفظه وقد علمت أن قوله: * (أنى شئتم) *
(٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 ... » »»