أضواء البيان - الشنقيطي - ج ١ - الصفحة ٤٢٤
ويدل لهذا أنه تعالى قال لأيوب: * (وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث) * ولو كان تدارك الاستثناء ممكنا لقال له قل: إن شاء الله ويدل له أيضا أنه ولو كان كذلك لما علم انعقاد يمين لإمكان أن يلحقها الاستثناء المتأخر واعلم أن الاستثناء بأن شاء الله يفيد في الحلف بالله إجماعا.
واختلف العلماء في غيره كالحلف بالطلاق والظهار والعتق كأن يقول: إن دخلت الدار فأنت طالق إن شاء الله أو أنت علي كظهر أمي إن شاء الله أو أنت حرة إن شاء الله فذهب بعض العلماء إلى أنه لا يفيد في شيء من ذلك لأن هذه ليست أيمانا وإنما هي تعليقات للعتق والظهار والطلاق. والاستثناء بالمشيئة إنما ورد به الشرع في اليمين دون التعليق وهذا مذهب مالك وأصحابه وبه قال الحسن والأوزاعي وقتادة ورجحه ابن العربي وغيره.
وذهب جماعة من العلماء إلى أنه يفيد في ذلك كله وبه قال الشافعي. وأبو حنيفة وطاوس وحماد وأبو ثور كما نقله عنهم ابن قدامة في المغني وفرق قوم بين الظهار وبين العتق والطلاق لأن الظهار فيه كفارة فهو يمين تنحل بالاستثناء كاليمين بالله والنذر ونقله ابن قدامة في المغني عن أبي موسى وجزم هو به. * * المسألة الرابعة: لو فعل المحلوف عن فعله ناسيا ففيه للعلماء ثلاثة مذاهب:
الأول: لا حنث عليه مطلقا لأنه معذور بالنسيان والله تعالى يقول: * (وليس عليكم جناح فيمآ أخطأتم به) * وقال صلى الله عليه وسلم: * (إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) * وهذا الحديث وإن أعله الإمام أحمد وابن أبي حاتم فإن العلماء تلقوه بالقبول قديما وحديثا ويشهد له ما ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قرأ * (ربنا لا تؤاخذنآ إن نسينآ أو أخطأنا) * قال الله نعم ومن حديث ابن عباس: قال الله قد فعلت وكون من فعل ناسيا لا يحنث هو قول عطاء وعمرو بن دينار وابن أبي نجيح وإسحاق ورواية عن أحمد كما قاله صاحب المغني ووجه هذا القول ظاهر للأدلة التي ذكرنا.
: وذهب قوم إلى أنه يحنث مطلقا وهو مشهور مذهب مالك وبه قال سعيد بن جبير ومجاهد والزهري وقتادة وربيعة وأبو حنيفة وهو أحد قولي الشافعي كما نقله عنهم صاحب
(٤٢٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 419 420 421 422 423 424 425 426 427 428 429 ... » »»