أضواء البيان - الشنقيطي - ج ١ - الصفحة ٣٥٤
وأحمد وبالثاني قال مالك وأبو حنيفة رحمهم الله تعالى جميعا.
فإذا علمت ذلك فاعلم أن في هذه الآية الكريمة إشارة إلى هذا القول الأخير وذلك في قوله تعالى: * (ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج) * فقوله: * (من حرج) * نكرة في سياق النفي زيدت قبلها * (من) * والنكرة إذا كانت كذلك فهي نص في العموم كما تقرر في الأصول قال في (مراقي السعود) عاطفا على صيغ العموم: الرجز:
* وفي سياق النفي منها يذكر * إذا بنى أو زيد من منكر * فالآية تدل على عموم النفي في كل أنواع الحرج والمناسب لذلك كون * (من) * لابتداء الغاية لأن كثيرا من البلاد ليس فيه إلا الرمال أو الجبال فالتكليف بخصوص ما فيه غبار يعلق باليد لا يخلو من حرج في الجملة.
ويؤيد هذا ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وفي لفظ: فعنده مسجده وطهوره الحديث.
فهذا نص صحيح صريح في أن من أدركته الصلاة في محل ليس فيه إلا الجبال أو الرمال أن ذلك الصعيد الطيب الذي هو الحجارة أو الرمل طهور له ومسجد. وبه تعلم أن ما ذكره الزمخشري من تعين كون * (من) * للتبعيض غير صحيح. فإن قيل: ورد في الصحيح ما يدل على تعين التراب الذي له غبار يعلق باليد دون غيره من أنواع الصعيد فقد أخرج مسلم في صحيحه من حديث حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فضلنا على الناس بثلاث: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة وجعلت لنا الأرض كلها مسجدا وجعلت تربتها لنا طهورا إذا لم نجد الماء الحديث فتخصيص التراب بالطهورية في مقام الامتنان يفهم منه أن غيره من الصعيد ليس كذلك فالجواب من ثلاثة أوجه: الأول: أن كون الأمر مذكورا في معرض الامتنان مما يمنع فيه اعتبار مفهوم المخالفة كما تقرر في الأصول قال في (مراقي السعود) في موانع اعتبار مفهوم المخالفة
(٣٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 347 348 349 350 353 354 355 356 357 358 359 ... » »»