تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣٠ - الصفحة ٢٦٤
جميع الأوجه في معنى الآية كما لا يخفى عند الاطلاع عليها على المتأمل والمسد ما مسد أي فتل من الحبال فتلا شديدا من ليف المقل على ما قال أبو الفتح ومن أي ليف على ما قيل وقيل من لحاء شجر باليمن يسمى المسد وروي ذلك عن ابن زيد وقد يكون كما في البحر من جلود الإبل أو أوبارها ومنه قوله: ومسد أمر من أيانق * ليست بأنياب ولا حقائق أي في عنقها حبل مما مسد من الحبال والمراد تصويرها بصور الحطابة التي تحمل الحزمة وتربطها في جيدها تخسيسا لحالها وتحقيرا لها لتمتعض من ذلك ويمتعض بعلها إذا كانا في بيت العز والشرف وفي منصب الثروة والجدة ولقد عير بعض الناس الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب بحاله الحطب فقال: ما ذا أردت إلى شتمى ومنقصتي * أم ما تعير من حمالة الحطب غراء شادخة في المجد غرتها * كانت سليلة شيخ ثاقب الحسب وقد أغضبها ذلك فيروى أنها لما سمعت السورة أتت أبا بكر رضي الله تعالى عنه وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد وبيدها فهر، فقالت بلغني أن صاحبك هجاني ولا فعلن وأفعلن وان كان شاعرا فإنا مثله أقول: مذمما أبينا ورينه * قلينا وأمره عصينا وأعمى الله تعالى بصرها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فروي أن أبا بكر قال لها هل ترى معي أحدا فقالت أتهزأ بي لا أرى غيرك فسكت أبو بكر ومضت وهي تقول قريش تعلم أني بنت سيدها فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام لقد حجبني عنها ملائكة فما رأتني وكفى الله تعالى شرها وقيل إن ذلك ترشيح للمجاز بناء على اعتباره في حمالة الحطب وفي الكشاف يحتمل أن يكون المعنى تكون في نار جهنم على الصورة التي كانت عليها حين كانت تحمل حزمة الشوك فلا تزال على ظهرها حزمة من حطب النار من شجرة الزقوم أو من الضريع وفي جيدها حبل مما مسد من سلاسل النار كما يعذب كل مجرم بما يجانس حاله في جرمه وعليه فالحبل مستعار للسلسلة وروي هذا عن عروة بن الزبير ومجاهد وسفيان وأمر الاعراب على ما في الكشف انه إن نصب حمالة يكون حالا هو والجملة أعني في جيدها حبل عن المعطوف على ضمير سيصلي أي ستصلي امرأته على هذه الحالة أو يكون حمالة نصبا على الذم والجملة وحدها حالا أو امرأته في جيدها حبل جملة وقعت حالا عن الضمير ويحتمل عطف الجملة على الجملة على ضعف وعلى الرفع يحتمل أن تكون الجملة حالا وإن يكون امرأته عطفا على الفاعل وحمالة الحطب في جيدها جملة لا محل لها من الإعراب وقعت بيانا لكيفية صليها أي هي حمالة الحطب انتهى فتأمل ولا تغفل وعلى جميع الأوجه والاحتمالات إنما لم يقل سبحانه في عنقها والمعروف أن يذكر العنق مع الغل ونحوه مما فيه امتهان كما قال تعالى في أعناقهم أغلالا والجيد مع الحلي كقوله: وأحسن من جيد المليحة حليها ولو قال عنقها كان غثا من الكلام قال في الروض الانف لأنه تهكم نحو فبشرهم بعذاب أليم أي لا جيد لها فيحلى ولو كان لكانت حليته هذه ولتحقيرها قيل امرأته ولم يقل زوجه انتهى وهو بديع جدا إلا أنه يعكر على آخره قوله تعالى وامرأته قائمة ولعله استعان ههنا على ما قال بالمقام وعن قتادة انه كان في جيدها قلادة من ودع وفي معناه قول الحسن من خرز وقال ابن المسيب كانت قلادة فاخرة من جوهر وأنها قالت واللات والعزى لانفقتها على عداوة محمد صلى الله عليه وسلم ولعل المراد على هذا أنها تكون في نار جهنم ذات قلادة من حديد ممسود بدل قلادتها التي كانت تقول فيها
(٢٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 259 260 261 262 263 264 265 266 267 268 269 ... » »»