تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣٠ - الصفحة ٢٥٥
سورة النصر وتسمى سورة إذا جاء وعن ابن مسعود أنها تسمى سورة التوديع لما فيها من الإيماء إلى وفاته عليه الصلاة والسلام وتوديعه الدنيا وما فيها وجاء في عدة روايات عن ابن عباس وغيره أنه صلى الله عليه وسلم قال حين نزلت نعيت إلى نفسي وفي رواية للبيهقي عنه أنه لما نزلت دعا عليه الصلاة والسلام فاطمة رضي الله تعالى عنها وقال إنه قد نعيت إلى نفسي فبكت ثم ضحكت. فقيل لها، فقالت أخبرني إنه نعيت إليه نفسه فبكيت ثم أخبرني بأنك أول أهلي لحاقا بي فضحكت وقد فهم ذلك منها عمر رضي الله تعالى عنه وكان يفعل عليه الصلاة والسلام بعدها فعل مودع وهي مدنية على القول الأصح في تعريف المدني فقد أخرج الترمذي في مسنده والبيهقي من حديث موسى بن عبيدة وعبد الله بن دينار وصدقة بن بشار عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه قال هذه السورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أوسط أيام التشريق بمعنى وهو في حجة الوداع إذا جاء نصر الله والفتح حتى ختمها الخبر وأخرجه أيضا ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وغيرهما لكن قال الحافظ بن رجب بعد أن أخرجه عن الأولين أن إسناده ضعيف جدا وموسى بن عبيدة قال أحمد: لا تحل الرواية عنه وعليه إن صح يكون نزولها قريبا جدا من زمان وفاته صلى الله عليه وسلم فإن ما بين حجة الوداع وإجابته عليه الصلاة والسلام داع الحق ثلاثة أشهر ونيف وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة أنه قال: والله ما عاش صلى الله عليه وسلم بعد نزول إذا جاء نصر الله والفتح إلا قليلا سنتين ثم توفي عليه الصلاة والسلام وفي " البحر " أن نزولها عند منصرفه صلى الله عليه وسلم من خيبر وأنت تعلم أن غزوة خيبر كانت في سنة سبع أواخر المحرم فيكون ما في البين أكثر من سنتين ويدل على مدنيتها أيضا ما أخرجه مسلم وابن أبي شيبة وابن مردويه عن ابن عباس أنه قال آخر سورة نزلت من القرآن جميعا إذا جاء نصر الله وآيها ثلاث بالاتفاق وفيها إشارة إلى اضمحلال ملة الأصنام وظهور دين الله عز وجل على أتم وجه وهو وجه مناسبتها لما قبلها ويحتمل غير ذلك وهي على ما أخرج الترمذي وغيره من حديث أنس إذا جاء نصر الله والفتح ربع القرآن ولم أظفر بوجه ذلك وسيأتي إن شاء الله تعالى ما يتعلق به.
* (إذا جآء نصر الله والفتح) * * (إذا جاء نصر الله) * أي إعانته تعالى وإظهاره إياك على عدوك وهذا معنى النصر المعدي بعلى وفسر به لأنه أوفق بقوله تعالى: * (والفتح) * وجوز أن يراد به المعدي بمن ومعناه الحفظ والفتح يتضمن النصر بالمعنى الأول فحينئذ يكون الكلام مشتملا على إفادة النصرين والأول هو الظاهر وإذا منصوب بسبح والفاء غير مانعة على ما عليه الجمهور في مثل ذلك وأبو حيان على أنها معمولة للفعل بعدها وليست مضافة إليه وسيأتي إن شاء الله تعالى قول آخر والمراد بهذا النصر ما كان في أمر مكة من غلبته عليه الصلاة والسلام على قريش وذكر النقاش عن ابن عباس أن النصر هو صلح الحديبية وكان في آخر سنة ست وأما الفتح فقد أخرج جماعة عنه وعن عائشة أن المراد به فتح مكة وروي ذلك عن مجاهد وغيره وصححه الجمهور وكان في السنة الثامنة وقال ابن شهاب لثلاث عشرة بقيت من شهر رمضان على رأس ثمان سنين ونصف من الهجرة وخرج عليه الصلاة والسلام على ما أخرجه أحمد بسند صحيح عن أبي سعيد لليلتين خلتا من شهر رمضان وفي رواية أخرى عن أحمد لثمان عشرة وفي أخرى لثنتي عشرة وعند مسلم لست عشرة وقال الواقدي خرج صلى الله عليه وسلم يوم الأربعاء لعشر خلون من رمضان بعد العصر وضعفه القسطلاني وكان المسلمون في تلك الغزوة عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار وطوائف من العرب وفي الإكليل اثني
(٢٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 250 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 ... » »»