تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣٠ - الصفحة ٢٥٢
من غير تعرض للزمان كأنه قيل أنا ممن لا يصدق عليه هذا المفهوم أصلا وأنتم ممن لا يصدق عليه ذلك المفهوم فتدبر وقيل الأوليان لنفي الاعتبار الذي ذكره الكافرون والأخريان للنفي على العموم أي لا أعبد ما تعبدون رجاء أن تعبدوا الله تعالى ولا أنتم عابدون رجاء أن أعبد صنمكم ثم قيل ولا أنا عابد صنمكن لغرض من الأغراض بوجه من الوجوه وكذا أنتم لا تعبدون الله تعالى لغرض من الأغراض وإيثار ما في ما أعبد قيل على جميع الأقوال السابقة على من لأن المراد الصفة كأنه قيل ما أعبد من المعبود العظيم الشأن الذي لا يقادر قدر عظمته وجوز أن يقال لما أطلقت ما على الأصنام أولا وهو إطلاق في محزه أطلقت على المعبود بحق للمشاكلة ومن يقول أن ما يجوز أن تقع على من يعلم ونسب إلى سيبويه لا يحتاج إلى ما ذكر وقال أبو مسلم ما في الأوليين بمعنى الذي مفعول به والمقصود المعبود أي لا أعبد الأصنام ولا تعبدون الله تعالى وفي الآخريين مصدرية أي ولا أنا عابد مثل عبادتكم المبنية على الشك وإن شئت قلت على الشرك المخرج لها عن كونها عبادة حقيقة ولا أنتم عابدون مثل عبادتي المبنية على اليقين وإن شئت قلت على التوحيد والإخلاص وعليه لا يكون تكرار أيضا وقال بعض الأجلة في هذا المقام أن قوله تعالى: * (لا أعبد ما تعبدون) * وقوله سبحانه: * (ولا أنا عابد ما عبدتم) * أما كلاهما نفي الحال أو كلاهما نفي الاستقبال أو أحدهما للحال والآخر للاستقبال وعلى التقادير فلفظ ما إما مصدرية في الموضعين وإما موصولة أو موصوفة فيهما وأما مصدرية في أحدهما وموصولة أو موصوفة في الآخر وهذه ستة احتمالات حاصلة من ضرب الثلاثة في الاثنين ولم يلتفت إلى تقسيم صورة الاختلاف إلى الفرق بين الأولى والأخرى ولا إلى الفرق بين الموصولة والموصوفة لتكثر الإقسام لأن صور الاختلاف متساوية الأقدام في دفع التكرار ومؤدى الموصولة والموصوفة متقاربان فيكتفي بإحداهما وكذا الحال في قوله تعالى: * (ولا أنتم عابدون ما أعبد) * في الموضعين ومعلوم أنه لا تكرار في صورة الاختلاف سواء كان باعتبار الحال والاستقبال أو باعتبار كون ما في أحدهما موصولة أو موصوفة وفي الآخر مصدرية ونفى عبادتهم في الحال أو الاستقبال معبوده عليه الصلاة والسلام بناء على عدم الاعتداد بعبادتهم لله تعالى مع الإشراك المحبط لها وجعلها هباء منثورا كما قيل: / جسم] إذا صافى صديقك من تعادى * فقد عاداك وانقطع الكلام ومن هنا قال بعض الأفاضل في إخراج الآية عن التكرار يحتمل أن يكون المراد من قوله تعالى: * (لا أعبد ما تعبدون) * نفى عبادة الأصنام ومن قوله تعالى: * (ولا أنتم عابدون ما أعبد) * نفى عبادة الله تعالى من غير تعرض لشيء آخر ولما كان مظنة أن يقولوا لغفلة عن المراد أو نحوها كيف يسوغ لك أن تنفي عنك عبادة ما نعبد وعنا عبادة ما تعبد ونحن أيضا نعبد الله تعالى غاية ما في الباب أنا نعبد معه غيره أردف ذلك بقوله سبحانه: * (ولا أنا عابد ما عبدتم) * الخ للإشارة إلى أنهم ما عبدوا الله حقيقة وإنما عبدوا شيئا قالوا إنه الله والله عز وجل وراء ذلك أي ولا أنا عابد في وقت من الأوقات الاله الذي عبدتم لأنكم عبدتم شيئا تخيلتموه وذلك بعنوان ما تخيلتم ليس بالإله الذي أعبده ولا أنتم عابدون في وقت من الأوقات ما أنا على عبادته لأني إنما أعبد الإله المتصف بالصفات التي قام البرهان على أنها صفات الإله النفس الامرى ويعلم منه وجه غير ما تقدم للتعبير بالكافرون دون المشركون وكأنه لم يؤت بالقرينتين الأوليين بهذا المعنى ويكتفي بهما عن الأخريين لأنهما أوفق بجوابهم مع أن هذا الأسلوب أنكى لهم فلا تغفل ومن الناس من اختار كون ما في القرينتين الأوليين موصولة مفعولا به لما قبلها والمراد بها أولا آلهتهم وثانيا إلهه عليه الصلاة والسلام والمراد نفي العبادة ملاحظا معها
(٢٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 247 248 249 250 251 252 253 254 255 256 257 ... » »»