تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣٠ - الصفحة ٢٥٨
متأمل شاكر يصح أن يأمر به وليس الأمر بمعنى الخبر بأن هذه القصة من شأنها أن يتعجب منها كما زعم ابن المنير والتعليل بأن الأمر في صيغة التعجب ليس أمرا بين السقوط نعم هذا الوجه ليس بشيء والأخبار دالة على أن ذلك أمر له صلى الله عليه وسلم بالاستعداد للتوجه إلى ربه تعالى والاستعداد للقائه بعد ما أكمل دينه وأدى ما عليه من البلاغ وأيضا ما ذكرناه من الآثار آنفا لا يساعد عليه وقيل المراد بالتسبيح الصلاة لاشتمالها عليه ونقله ابن الجوزي عن ابن عباس أي فصل له تعالى حامدا على نعمه وقد روي صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة صلى في بيت أم هانىء ثمان ركعات وزعم بعضهم أنه صلاها داخل الكعبة وليس بالصحيح وأيا ما كان فهي صلاة الفتح وهي سنة وقد صلاها سعد يوم فتح المدائن وقيل صلاة الضحى وقيل أربع منها للفتح وأربع للضحى وعلى كل ليس فيها دليل على أن المراد بالتسبيح الصلاة والأخبار أيضا تساعد على خلافه واستغفار صلى الله عليه وسلم لأنه كان دائما في الترقي فإذا ترقى إلى مرتبة استغفر لما قبلها وقيل مما هو في نظره الشريف خلاف الأولى بمنصبه المنيف وقيل عما كان من سهو ولو قبل النبوة وقيل لتعليم أمته صلى الله عليه وسلم وقيل هو استغفار لأمته عليه الصلاة والسلام أي واستغفره لأمتك وجوز بعضهم كون الخطاب في رأيت عاما وقال ههنا يجوز حينئذ أن يكون الأمر بالاستغفار لمن سواه عليه الصلاة والسلام وادخاله صلى الله عليه وسلم في الأمر تغليب وهذا خلاف الظاهر جدا وأنت تعلم أن كل أحد مقصر عن القيام بحقوق الله تعالى كما ينبغى وادائها على الوجه اللائق بجلاله جل جلاله وعظمته سبحانه وإنما يؤديها على قدر ما يعرف والعارف يعرف أن قدر الله عز وجل أعلى وأجل من ذلك فهو يستحى من عمله ويرى أنه مقصر وكلما كان الشخص بالله تعالى أعرف كان له سبحانه أخوف وبرؤية تقصيره أبصر وقد كان كهمس يصلي كل يوم ألف ركعة فإذا صلى أخذ بلحيته ثم يقول لنفسه قومي يا مأوى كل سوء فوالله ما رضيتك لله عز وجل طرفة عين وعن مالك بن دينار لقد هممت أن أوصي إذا مت أن ينطلق بي كما ينطلق بالعبد الآبق إلى سيده فإذا سألني قلت يا رب أني لم أرض لك نفسي طرفة عين فيمكن أن يكون استغفاره عليه الصلاة والسلام لما يعرف من عظيم جلال الله تعالى وعظمته سبحانه فيرى أن عبادته وان كانت أجل من عبادة جميع العابدين دون ما يليق بذلك الجلال وتلك العظمة التي هي وراء ما يخطر بالبال فيستحي ويهرع إلى الاستغفار وقد صح أنه عليه الصلاة والسلام كان يستغفر الله في اليوم والليلة أكثر من سبعين مرة وللاشارة إلى قصور العابد عن الاتيان بما يليق بجلال المعبود وإن بذل المجهود شرع الاستغفار بعد كثير من الطاعات فذكروا إنه يشرع لمصلي المكتوبة أن يستغفر عقبها ثلاثا وللمتهجد في الاسحار أن يستغفر ما شاء الله تعالى وللحاج أن يستغفر بعد الحج فقد قال تعالى ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم وروي أنه يشرع لختم الوضوء وقالوا يشرع لختم كل مجلس وقد كان صلى الله عليه وسلم يقول: إذا قام من المجلس سبحانك اللهم وبحمدك استغفرك وأتوب إليك. ففي الأمر بالاستغفار رمز من هذا الوجه على ما قيل إلى ما فهم من النعي والمشهور أن ذلك للدلالة على مشارفة تمام أمر الدعوة وتكامل أمر الدين والكلام وإن كان مشتملا على التعليق وتقديم التسبيح ثم الحمد على الاستغفار قيل على طريقة النزول من الخالق إلى الخلق كما قيل ما رأيت شيئا إلا ورأيت
(٢٥٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 253 254 255 256 257 258 259 260 261 262 263 ... » »»