قال امرؤ القيس: من القاصرات الطرف لو دب محول * من الذر فوق الأتب منها لأثرا وقيل الذر ما يرى في شعاع الشمس من الهباء وأخرج هناد عن ابن عباس أنه أدخل يده في التراب ثم رفعها ثم نفخ فيها وقال كل واحدة من هؤلاء مثقال ذرة وانتصاب خيرا وشرا على التمييز لأن مثقال ذرة مقدار وقيل على البدلية من مثقال والظاهر أن من في الموضعين عامة للمؤمن والكافر وأن المراد من رؤية ما يعادل مثقال ذرة من خير أو شر مشاهدة جزائه بأن يحصل له ذلك واستشكل بأن ذلك يقتضي إثابة الكافر بحسناته وما يفعله من الخير مع أنهم قالوا أعمال الكفرة محبطة وادعى في شرح المقاصد الإجماع على ذلك كيف وقد قال سبحانه وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا وقال عز وجل: * (أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار) * وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون وقال تعالى: * (مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد) * الآية وكون خيرهم الذي يرونه تخفيف العذاب يدفعه قوله تعالى: * (فلا يخفف عنهم العذاب) * وقوله سبحانه: * (زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون) * ويقتضي أيضا عقاب المؤمن بصغائره إذا اجتنب الكبائر مع أنهم قالوا إنها مكفرة حينئذ لقوله تعالى: أن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيآتكم وقول ابن المنير: إن الاجتناب لا يوجب التكفير عند الجماعة بل التوبة أو مشيئة الله تعالى ليس بشيء لأن التوبة والاجتناب سواء في حكم النص ومشيئة الله تعالى هي السبب الأصيل فالتزم بعضهم كون المراد بمن الأولى السعداء وبمن الثانية الأشقاء بناء على أن فمن يعمل الخ تفصيل ليصدر الناس أشتاتا وكان مفسرا بما حاصله فريق في الجنة وفريق في السعير فالمناسب أن يرجع كل فقرة إلى فرقة لتطابق المفصل المجمل ولأن الظاهر قوله سبحانه: * (فمن يعمل) * ومن يعمل بتكرير أداة الشرط يقتضي التغاير بين العاملين وقال آخرون بالعموم إلا أن منهم من قال في الكلام قيد مقدر ترك لظهوره والعلم به من آيات أخر فالتقدير فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره إن لم يحبط ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره إن لم يكفر ومنهم من جعل الرؤية أعم مما تكون في الدنيا وما تكون في الآخرة فالكافر يرى جزاء خيره في الدنيا وجزاء شره في الآخرة والمؤمن يرى جزاء شره في الدنيا وجزاء خيره في الآخرة فقد روى البغوي وابن جرير وابن المنذر وغيرهم عن محمد بن كعب القرظي أنه قال: فمن يعمل مثال ذرة من خير وهو كافر فإنه يرى ثواب ذلك في الدنيا في نفسه وأهله وماله حتى يبلغ الآخرة وليس له فيها خير ومن يعمل مثقال ذرة من شر وهو مؤمن كوفىء ذلك في الدنيا في نفسه وأهله وماله حتى يبلغ الآخرة وليس عليه فيها شر وأخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي في " الشعب " وابن أبي حاتم وجماعة عن أنس قال بينما أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه يأكل مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ نزلت عليه: * (فمن يعمل مثقال ذرة) * الآية فرفع أبو بكر يده وقال يا رسول الله إني لراء ما عملت من مثقال ذرة من شر فقال عليه الصلاة والسلام يا أبا بكر أرأيت ما ترى في الدنيا مما تكره فبمثاقيل ذر الشر ويدخر لك مثاقيل ذر الخير حتى توفاه يوم القيامة وفي رواية ابن مردويه عن أبي أيوب أنه صلى الله عليه وسلم قال له إذ رفع يده من عمل منكم خيرا فجزاؤه في الآخرة ومن عمل منكم شرا يره في الدنيا مصيبات وأمراضا ومن يكن فيه مثقال ذرة من خير دخل الجنة ومنهم من قال المراد من رؤية ما يعادل ذلك من الخير والشر مشاهدة نفسه عن غير أن يعتبر معه الجزاء ولا عدمه بل يفوض كل منهما إلى سائر الدلائل الناطقة بعفو صغائر المؤمن المجتنب عن الكبائر وإثابته بجميع حسناته وبحبوط حسنات الكافر ومعاقبته بجميع معاصيه وبه يشعر ما أخرج ابن جرير وابن المنذر والبيهقي في البعث عن ابن عباس من قوله في الآية ليس مؤمن ولا كافر عمل خيرا وشرا في
(٢١٢)