تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣٠ - الصفحة ٢٠١
ذلك واعتبار أن الجر للجوار لا يخفى حاله والجار والمجرور في موضع الحال من ضمير كفروا وقوله تعالى: * (منفكين) * خبر يكن والانفكاك في الأصل افتراق الأمور الملتحمة بنوع مزايلة وأريد به المفارقة لما كانوا عليه مما ستعرفه إن شاء الله تعالى فالوصف اسم فاعل من انفك التامة دون الناقصة الداخلة على المبتدأ والخبر وزعم بعض النحاة أنه وصف منها والخبر محذوف أي واعدين اتباع الحق أو نحوه وتعقب مع كونه خلاف الظاهر بأن خبر كان وأخواتها لا يجوز حذفه في السعة لا اقتصارا ولا اختصارا وحين ليس مجير أي في الدنيا ضرورة وقوله تعالى: * (حتى تأتيهم البينة) * متعلق بمنفكين والبينة صفة بمعنى اسم الفاعل أي المبين للحق أو هي بمعناها المعروف وهو الحجة المثبتة للمدعي ويراد بها المعجز وعلى الوجهين فقوله تعالى:
* (رسول من الله يتلو صحفا مطهرة) * * (رسول) * بدل منها بدل كل من كل أو خبر لمقدر أي هي رسول وتنوينه للتفخيم والمراد به نبينا صلى الله عليه وسلم وقوله سبحانه: * (من الله) * في موضع الصفة له مفيد للفخامة ازضافية فهو مؤكد لما أفاده التنوين من الفخامة الذاتية وقوله تعالى: * (يتلوا صحفا مطهرة) * صفة أخرى له أو حال من الضمير في صفته الأولى كما أن قوله سبحانه:
* (فيها كتب قيمة) * * (فيها كتب قيمة) * صفة ثانية لصحفا أو حال من الضمير في صفتها الأولى أعني مطهرة ويجوز أن يكون الصفة أو الحال هنا الجار والمجرور فقط وكتب مرتفعا على الفاعلية وإطلاق البينة عليه عليه الصلاة والسلام على المعنى الأول ظاهر وعلى المعنى الأخير باعتبار أن أخلاقه وصفاته صلى الله عليه وسلم كانت بالغة حد الإعجاز كما قال الغزالي في " المنقذ من الضلال " وأشار إليه البوصيري بقوله: كفاك بالعلم في الأمي معجزة * في الجاهلية والتأديب في اليتم ويعلم منه حكمة جعله عليه الصلاة والسلام يتيما أو باعتبار كثرة معجزاته صلى الله عليه وسلم غير ما ذكر وظهورها وجوز أن يراد بالبينة القرآن لأنه مبين للحق أو معجز مثبت للمدعي وروي ذلك عن قتادة وابن زيد ورسول عليه قيل بدل اشتمال أو بدل كل من كل أيضا بتقدير مضاف أي بينة أو وحي أو معجز أو كتاب رسول أو هو خبر مبتدأ مقدر أي هي رسول ويقدر معه مضاف كما سمعت وجوز أن يكون رسول مبتدأ لوصفه وخبره جملة * (يتلوا) * الخ وجملة المبتدأ وخبره مفسرة للبينة وقيل اعتراض لمدحها وقيل صفة لها مرادا بها القرآن ويراد بالصحف المطهرة البينة وقد وضعت موضع ضميرها فكانت الرابط وقرأ أبي وعبد الله رسولا بالنصب على الحالية من البينة والصحف جمع صحيفة وكذا الصحاف القراطيس التي يكتب فيها وأصلها المبسوط من الشيء والمراد بتطهيرها تنزيهها عن الباطل على سبيل الاستعارة المصرحة ويجوز أن يكون في الكلام استعارة مكنية أو تطهير من يمسها على التجوز في النسبة فكأنه قيل صحفا لا يمسها إلا المطهرون والمراد بالكتب المكتوبات وبالقيمة المستقيمة واستقامتها نطقها بالحق وفي التيسير هي كتب الأنبياء عليهم السلام والقرآن مصدق لها فكأنها فيه ووصفه عليه الصلاة والسلام بتلاوة الصحف المذكورة بناء على المشهور من أنه عليه الصلاة والسلام لم يكن يقرأ الكتاب كما أنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يكتب من باب التجوز في النسبة إلى المفعول لأنه صلى الله عليه وسلم لما قرأ ما فيها فكأنه قرأها وقيل على تقدير مضاف أي مثل صحف وقيل في ضمير يتلو استعارة مكنية بتشبيهه عليه الصلاة والسلام لتلاوته مثل ما فيها بتاليها أو الصحف مجاز عما فيها بعلاقة الحلول ففي ضمير فيها استخدام لعوده على الصحف بالمعنى الحقيقي وقيل المراد بالرسول جبريل عليه السلام وبالصحف صحف الملائكة عليهم السلام المنتسخة من اللوح المحفوظ وبتطهيرها ما سبق والمراد بتلاوته عليه الصلاة والسلام إياها ظاهر وجعلها
(٢٠١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 196 197 198 199 200 201 202 203 204 205 206 ... » »»