تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٣٠ - الصفحة ٢٠٧
لقوله تعالى ذلك الخ كبير فائدة والتعرض لعنوان الربوبية المعربة عن المالكية والتربية للاشعار بعلة الخشية والتحذير من الاغترار بالتربية واستدل بقوله تعالى إن الذين آمنوا الخ على أن البشر أفضل من الملك لظهور أن المراد بالذين آمنوا المؤمنون من البشر وفي الآثار ما يدل على ذلك أخرج ابن أبي حاتم عن أبي هريرة مرفوعا أتعجبون لمنزلة الملائكة من الله تعالى والذي نفسي بيده لمنزلة العبد المؤمن عند الله تعالى يوم القيامة أعظم من منزلة الملك واقرؤوا إن شئتم إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية وأخرج ابن مردويه عن عائشة قالت قلت يا رسول الله من أكرم الخلق على الله تعالى قال يا عائشة أما تقرئين أن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية وأنت تعلم أن هذا ظاهر في أن المراد بالبرية الخليقة مطلقا ليتم الاستدلال ثم أنه يحتاج أيضا إلى ادخال الأنبياء عليهم السلام في عموم الذين آمنوا وعملوا الصالحات بأن لا يراد بهم قوم بخصوصهم إذ لو لم يدخلوا لزم تفضيل عوام البشر أي الذين ليسوا بأنبياء منهم على خواص الملائكة أعني رسلهم عليهم السلام وذلك مما لم يذهب إليه أحد من أهل السنة بل هو يكفرون من يقول به فليتفطن والإمام قد ضعف الاستدلال في تفسيره بما لا يخلو عن بحث ولعل الأبعد عن القيل والقال جعل الحصر إضافيا بالنسبة إلى ما يزعمه أهل الكتاب والمشركون قالا أو حالا من أنهم هم خير البرية وكذا يجعل الحصر السابق بالنسبة إلى ما يزعمونه من أن المؤمنين هم شر البرية وصحة ما سبق من الآثار في حيز المنع ثم الظاهر أن المراد بالذين آمنوا الخ مقابل الذين كفروا لا قوم من الذين انصفوا بما في حيز الصلة بخصوصهم وزعم بعض أنهم مخصوصون فقد أخرج ابن مردويه عن علي كرم الله تعالى وجهه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ألم تسمع قول الله تعالى إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية هم أنت وشيعتك وموعدي وموعدكم الحوض إذا جثت الأمم للحساب يدعون غرا محجلين وروي نحوه الإمامية عن يزيد بن شراحيل الأنصاري كاتب الأمير كرم الله تعالى وجهه وفيه أنه عليه الصلاة والسلام قال ذلك له عند الوفاة ورأسه الشريف على صدره رضي الله تعالى عنه وأخرج ابن مردويه أيضا عن ابن عباس قال لما نزلت هذه الآية أن الذين آمنوا الخ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله تعالى عنه وكرم وجهه هو أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين وذلك ظاهر في التخصيص وكذا ما ذكره الطبرسي الإمامي في " مجمع البيان " عن مقاتل بن سليمان عن الضحاك عن ابن عباس أنه قال في الآية نزلت في علي كرم الله تعالى وجهه وأهل بيته وهذا ان سلمت صحته لا محذور فيه إذ لا يستدعي التخصيص بل الدخول في العموم وهم بلا شبهة داخلون فيه دخولا أوليا وأما ما تقدم فلا تسلم صحته فإنه يلزم عليه علي كرم الله تعالى وجهه خيرا من رسول الله صلى الله عليه وسلم والإمامية وإن قالوا إنه رضي الله تعالى عنه خير من الأنبياء حتى أولي العزم عليهم السلام ومن الملائكة حتى المقربين عليهم السلام لا يقولون بخيريته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن قالوا بأن البرية على ذلك مخصوصة بمن عداه عليه الصلاة والسلام للدليل الدال على أنه صلى الله عليه وسلم خير منه كرم الله تعالى وجهه قيل إنها مخصوصة أيضا بمن عدا الأنبياء والملائكة ومن قال أهل السنة بخيريته للدليل الدال على خيريتهم وبالجملة لا ينبغي أن يرتاب في عدم تخصيص الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالأمير كرم الله تعالى وجهه وشيعته ولا به رضي الله تعالى عنه وأهل بيته وان دون إثبات صحة تلك الأخبار خرط القتادة والله تعالى أعلم. ثم أن الروايات في أن هذه السورة قد نسخ منها كثير كثيرة منها ما أخرج الإمام أحمد والترمذي والحاكم وصححه عن أبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله تعالى أمرني أن أقرأ عليك
(٢٠٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 202 203 204 205 206 207 208 209 210 211 212 ... » »»