تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٩ - الصفحة ٧٩
وسعر) * وهو مأخوذ من الضلال في الطريق لأن من ضل فيها هلك فيكون المعنى أهلكهم وفسره ابن بحر بالعذاب وهو قريب مما ذكر وقيل هو على ظاهره أعني الضلال في الدين والدعاء بزيادته إنما كان بعد ما أوحي إليه عليه السلام أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ومآله الدعاء عليهم بزيادة عذابهم ويحتاج إلى دليل وبما سمعت ينحل ما يقال أن طلب الضلال ونحوه إما غير جائز مطلقا أو إذا دعى به على وجه الاستحسان وبدونه وإن كان جائزا لكنه غير ممدوح ولا مرضي فكيف دعا بذلك نوح عليه السلام عليهم.
* (مما خطيئ‍اتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا) * * (مما خطيآتهم) * أي من أجل خطيآتهم * (أغرقوا) * بالطوفان لا من أجل أمر آخر فمن تعليلية وما زائدة بين الجار والمجرور لتعظيم الخطايا في كونها من كبائر ما ينهى عنه ومن لم ير زيادتها جعلها نكرة وجعل خطيآتهم بدلا منها وزعم ابن عطية أن من لابتداء الغاية وهو كما ترى وقرأ أبو رجاء خطياتهم بإبدال الهمزة ياء وإدغامها في الياء وقرأ الجحدري وعبيد عن أبي عمرو خطيئتهم على الإفراد مهموزا وقرأ الحسن وعيسى والأعرج بخلاف عنهم وأبو عمرو خطاياهم جمع تكسير وقرأ عبد الله من خطيآتهم ما أغرقوا بزيادة ما بين خطيآتهم وأغرقوا وخرج على أنها مصدرية أي بسبب خطيآتهم إغراقهم وقرأ زيد بن علي غرقوا بالتشديد بدل الهمزة وكلاهما للنقل * (فأدخلوا نارا) * هي نار البرزخ والمراد عذاب القبر ومن مات في ماء أو نار أو أكلته السباع أو الطير مثلا أصابه ما يصيب المقبور من العذاب وقال الضحاك كانوا يغرقون من جانب ويحرقون بالنار من جانب وأنشد ابن الأنباري: الخلق مجتمع طورا ومفترق * والحادثان فنون ذات أطوار لا تعجبن لأضداد إذا اجتمعت * فالله يجمع بين الماء والنار ويجوز أن يراد بها نار الآخرة والتعقيب على الأول ظاهر وهو على هذا لعدم الاعتداد بما بين الإغراق والإدخال فكأنه شبه تخلل ما لا يعتد به بعدم تخلل شيء أصلا وجوز أن تكون فاء التعقيب مستعارة للسببية لأن المسبب كالمتعقب للسبب وإن تراخى عنه لفقد شرط أو وجود مانع وتنكير النار إما لتعظيمها وتهويلها أو لأنه عز وجل أعد لهم على حسب خطيآتهم نوعا من النار ولا يخفى ما في أغرقوا فادخلوا نارا من الحسن الذي لا يجارى ولله تعالى در التنزيل * (فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا) * أي فلم يجد أحدهم واحدا من الأنصار وفيه تعريض لاتخاذهم آلهة من دونه سبحانه وتعالى وبأنها غير قادرة على نصرهم وتهكم بهم.
* (وقال نوح رب لا تذر على الارض من الك‍افرين ديارا) * * (وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا) * عطف على نظيره السابق وقوله تعالى: * (مما خطيآتهم) * الخ اعتراض وسط بين دعائه عليه السلام للإيذان من أول الأمر بأن ما أصابهم من الإغراق والإحراق لم يصبهم إلا لأجل خطيآتهم التي عدها نوح عليه السلام وأشار إلى استحقاقهم للهلاك لأجلها لا أنه حكاية لنفس الإغراق والإحراق على طريقة حكاية ما جرى بينه عليه السلام وبينهم من الأحوال والأقوال وإلا لأخر عن حكاية دعائه هذا قاله مفتي الديار الرومية عليه الرحمة وما قيل أنه عطف على لم يجدوا أو على جملة * (مما خطيآتهم) * الخ وليس المراد حقيقة الدعاء بل التشفي وإظهار الرضا بما كان من هلاكهم بعيد غاية البعد والمعروف أن هذا الدعاء كان قبل هلاكهم والديار من الأسماء التي لا تستعمل إلا في النفي العام يقال ما بالدار ديار أو ديور كقيام وقيوم أي ما بها أحد وهو فيعال من الدار أو من الدور كأنه قيل لا تذر على الأرض من الكافرين من يسكن دارا أو لا تذر عليها منهم من يدور ويتحرك وأصله ديوار اجتمعت الواو والياء وسبقت أحدهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت الياء في الياء وليس بفعال وإلا لكان دوارا إذ لا داعي للقلب حينئذ ومن الكافرين حال منه ولو أخر كان صفة له والمراد بالكافرين قومه الذين دعاهم إلى الإيمان والطاعة فلم يجيبوا فإن
(٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 ... » »»