تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٩ - الصفحة ٧٢
أي سدوا مسامعهم عن استماع الدعوة فهو كناية عما ذكر ولا منع من الحمل على الحقيقة وفي نسبة الجعل إلى الأصابع وهو منسوب إلى بعضها وإيثار الجعل على الادخال ما لا يخفى * (واستغشوا ثيابهم) * أي بالغوا في التغطي بها كأنهم طلبوا من ثيابهم أن تغشاهم لئلا يروه كراهة النظر إليه من فرط كرهة الدعوة ففي التعبير بصيغة الاستفعال ما لا يخفى من المبالغة وكذا في تعميم آلة الإبصار وغيرها من البدن بالستر مبالغة في إظهار الكراهة ففي الآية مبالغة بحسب الكيف والكم وقيل بالغوا في ذلك لئلا يعرفهم عليه السلام فيدعوهم وفيه ضعف فإنه قيل عليه إنه يأباه ترتبه على قوله كلما دعوتهم اللهم إلا أن يجعل مجازا عن إرادة الدعوة وهو تعكيس للأمر وتخريب للنظم * (وأصروا) * أي اكبوا على الكفر والمعاصي وانهمكوا وجدوا فيها مستعار من أصر الحمار على العانة إذا أصر أذنيه أي رفعهما ونصبهما مستويين وأقبل عليها يكدمها ويطردها وفي ذلك غاية الذم لهم وعن جار الله لو لم يكن في ارتكاب المعاصي إلا التشبيه بالحمار لكفى به مزجرة كيف والتشبيه في أسوا أحواله وهو حال الكدم والسفاد وما ذكر من الاستعار قيل في أصل اللغة وقد صار الإصرار حقيقة عرفية في الملازمة والانهماك في الأمر وقال الراغب الإصرار التعقد في الذنب والتشديد فيه والإمتناع من الإقلاع عنه وأصله من الصر أي الشد ولعله لا يأبى ما تقدم بناء على أن الأصل الأول الشد والأصل الثاني ما سمعت أولا * (واستكبروا) * من اتباعي وطاعتي * (استكبارا) * عظيما وقيل نوعا من الاستكبار غير معهود والاستكبار طلب الكبر من غير استحقاق له.
* (ثم إنى دعوتهم جه‍ارا * ثم إنىأعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا) * * (ثم إني دعوتهم جهارا * ثم إني أععلنت لهم وأسررت لهم إسرارا) * أي دعوتهم مرة بعد مرة وكرة غب كرة على وجوه متخالفة وأساليب متفاوتة وهو تعميم لوجوه الدعوة بعد تعميم الأوقات وقوله ثم إني دعوتهم جهارا يشعر بمسبوقية الجهر بالسر وهو الأليق بمن همه الإجابة لأنه أقرب إليها لما فيه من اللطف بالمدعو فثم لتفاوت الوجوه وإن الجهار أشد من الإسرار والجمع بينهما أغلظ من الإفراد وقال بعض الأجلة ليس في النظم الجليل ما يقتضي أن الدعوة الأولى كانت سرا فقط فكأنه أخذ ذلك من المقابلة ومن تقديم قوله ليلا وذكرهم بعنوان قومه وقوله فرارا فإن القرب ملائم له. وجوز كون ثم على معناها الحقيقي وهو التراخي الزماني لكنه باعتبار مبدأ كل من الأسرار والجهار ومنتهاه وباعتبار منتهى الجمع بينهما لئلا ينافي عموم الأوقات السابق ويحسن اعتبار ذلك وإن اعتبر عمومها عرفيا كما في لا يضع العصا عن عاتقه وجهارا منصوب بدعوتهم على المصدرية لأنه أحد نوعي الدعاء كما نصب القرفصاء في قعدت القرفصاء عليها لأنها أحد أنواع القعود أو أريد بدعوتهم جاهرتهم أو صفة لمصدر محذوف أي دعوتهم دعاء جهارا أي مجاهرا بفتح الهاء به أو مصدر في موقع الحال أي مجاهرا بزنة اسم الفاعل.
* (فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا) * * (فقلت استغفروا ربكم) * بالتوبة عن الكفر والمعاصي فإنه سبحانه لا يغفر أن يشرك به وقال ربكم تحريكا لداعي الاستغفار * (إنه كان غفارا) * دائم المغفرة كثيرها للتائبين كإنهم تعللوا وقالوا ان كنا على الحق فكيف نتركه وان كنا على الباطل فكيف يقبلنا ويلطف بنا جل وعلا بعد ما عكفنا عليه دهرا طويلا فأمرهم بما يمحق ما سلف منهم من المعاصي ويجلب إليهم المنافع ولذلك وعدهم على الاستغفار بأمور هي أحب إليهم وأوقع في قلوبهم من الأمور الأخروية أعني ما تضمنه يرسل السماء الخ وأحبيتهم لذلك لما جبلوا عليه من محبة الأمور الدنيوية والنفس مولعة بحب العاجل. قال قتادة كانوا أهل حب للدنيا فاستدعاهم إلى الآخرة من الطريق التي يحبونها وقيل لما كذبوه عليه الصلاة والسلام بعد تكرير الدعوة حبس الله تعالى عنهم القطر وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة وقيل سبعين سنة فوعدهم أنهم ان آمنوا يرزقهم الله تعالى الخصب ويدفع عنهم ما هم فيه وهو قوله:
* (يرسل السمآء عليكم مدرارا) * * (يرسل السماء عليكم مدرارا) *
(٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 ... » »»