الإيمان مطلقا الظاهر ما ورد من أن الإيمان يجب ما قبله واستشكل ذلك العز بن عبد السلام في الفوائد المنتشرة وأجاب عنه فقال كيف يصح هذا على رأي سيبويه الذي لا يرى كالأخفش زيادتها في الموجب بل يقول إنها للتبعيض مع أن الإسلام يجب ما قبله بحيث لا يبقى منه شيء والجواب ان إضافة الذنوب إليهم إنما تصدق حقيقة فيما وقع إذ ما لم يقع لا يكون ذنبا لهم وإضافة ما لم يقع على طريق التجوز كما في واحفظوا أيمانكم إذا المراد بها الأيمان المستقبلة وإذا كانت الإضافة تارة تكون حقيقة وتارة تكون مجازا فسيبويه يجمع بين الحقيقة والمجاز فيها وهو جائز يعني عند أصحابه الشافعية ويكون المراد من بعض ذنوبكم البعض الذي وقع انتهى ولا يحتاج إلى حديث الجمع من خص الذنوب المغفورة بحقوق الله عز وجل وههنا بحث وهوان الحمل على التبعيض يا أباه يغفر لكم ذنوبكم وإن الله يغفر الذنوب جميعا وقد نص البعلي في شرح الجمل على أن ذلك هو الذي دعا الأخفش للجزم بالزيادة هنا وجعله ابن الحاجب حجة له ورده بعض الأجلة بأن الموجبة الجزئية من لوازم الموجبة الكلية ولا تناقض بين اللازم والملزوم ومبناه الغفلة عن كون مدلول من التبعيضية هي البعضية المجردة عن الكلية المنافية لها لا الشاملة لما في ضمنها المجتمعة معها وإلا لما تحقق الفرق بينها وبين من البيانية من جهة الحكم ولما تيسر تمشية الخلاف بين الإمام أبي حنيفة وصاحبيه فيما إذا قال طلقي نفسك من ثلاث ما شئت بناء على أن من للتبعيض عنده وللبيان عندهما قال في الهداية وان قال لها طلقي نفسك من ثلاث ما شئت فلها ان تطلق نفسها واحدة وثنتين ولا تطلق ثلاثا عند أبي حنيفة وقالا تطلق ثلاثا ان شاءت لأن كلمة ما محكمة في التعميم وكلمة من قد تستعمل للتمييز فتحمل على تمييز الجنس ولأبي حنيفة إن كلمة من حقيقة في التبعيض وما للتعميم فيعمل بهما انتهى. ولا خفاء في أن بناء الجواب المذكور على كون من للتبعيض إنما يصح إذا كان مدلولها حينئذ البعضية المجردة المنافية للكلية ومن هنا تعجب من صاحب التوضيح في تقرير الخلاف المذكور حيث استدل على أولوية التبعيض بتيقنه ولم يدر أن البعض المراد قطعا على تقدير البيان البعض العام الشامل لما في ضمن الكل لا البعض المجرد المراد هنا فبالتعليل على الوجه المذكور لا يتم التقريب بل لا انطباق بين التعليل والمعلل على ما قيل وصوب العلامة التفتازاني حيث قال فيما علقه على التلويح مستدلا على أن البعضية التي تدل عليها من التبعيضية هي البعضية المجردة المنافية للكيلة لا البعضية التي هي أعم من أن تكون في ضمن الكل أو بدونه لاتفاق النحاة على ذلك حيث احتاجوا إلى التوفيق بين قوله تعالى يغفر لكم من ذنوبكم وقوله تعالى إن الله يغفر الذنوب جميعا فقالوا لا يبعد أن يغفر سبحانه الذنوب لقوم وبعضها لآخرين أو خطاب البعض لقوم نوح عليه السلام وخطاب الكل لهذه الأمة ولم يذهب أحد إلى أن التبعيض لا ينافي الكلية ولم يصوب الشريف في رده عليه قائلا وفيه بحث إذ الرضي صرح بعدم المنافاة بينهما حيث قال ولو كان أيضا خطابا لأمة واحدة فغفران بعض الذنوب لا يناقض غفران كلها بل عدم غفران بعضها يناقض غفران كلها لأن قول الرضى غير مرتضى لما عرفت من أن مدلول التبعيضية البعضية المجردة واعترض قول النحاة أو خطاب البعض لقوم نوح عليه السلام وخطاب الكل لهذه الأمة بأن الأخبار عن مغفرة البعض ورد في مواضع منها قوله تعالى في سروة إبراهيم يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم ومنها في سورة الأحقاف يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ومنها ما هنا وهو الذي ورد في قوم نوح عليه السلام وأما ما ذكر في الأحقاف فقد ورد في الجن وما ورد في إبراهيم فقد ورد في قوم نوح وعاد، وثمود على ما أفصح به السياق فكيف يصح ما ذكروه وقيل جيء بمن في خطاب الكفرة دون المؤمنين في جميع
(٧٠)