تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٧ - الصفحة ٨١
وقال عكرمة: فاتحين آذانهم إلى الصوت، وعن ابن عباس ناظرين إليه لا تقلع أبصارهم عنه وأنشد قول تبع: تعبدني نمر بن سعد وقد أرى * ونمر بن سعد لي " مطيع ومهطع " وفي رواية أنه فسره بخاضعين وأنشد البيت، وقيل: خافضين ما بين أعينهم، وقال سفيان: شاخصة أبصارهم إلى السماء، وقيل: أصل الهطع مد العنق، أو مد البصر، ثم يكنى به عن الإسراع، أو عن النظر والتأمل فلا تغفل، * (يقول الك‍افرون ه‍اذا يوم عسر) * صعب شديد لما يشاهدون من مخايل هو له وما يرتقبون من سوء منقلبهم فيه، وفي إسناد القول المذكور إلى الكفار تلويح بأنه على المؤمنين ليس كذلك.
* (كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازدجر) *.
* (كذبت قبلهم قوم نوح) * شروع في تعداد بعض ما ذكر من الأنباء الموجبة للازدجار؛ ونوع تفصيل لها وبيان لعدم تأثرهم بها تقريرا لفحوى قوله تعالى: * (فما تغن النذر) * (القمر: 5) والفعل منزل منزلة اللازم أي فعلت التكذيب قبل تكذيب قومك قوم نوح، وقوله تعالى: * (فكذبوا عبدنا) * تفسير لذلك التكذيب المبهم كما في قوله تعالى: * (ونادى نوح ربه فقال) * (هود: 45 (الخ، وفيه مزيد تحقيق وتقرير للتكذيب، وجوز أن يكون المعنى كذبوا تكذيبا إثر تكذيب كلما خلا منهم قرن مكذب جاء عقيبه قرن آخر مكذب مثله، أو كذبت قوم نوح الرسل فكذبوا عبدنا أي لما كانوا مكذبين للرسل جاحدين للنبوة رأسا كذبوا نوحا لأنه من جملة الرسل، والفاء عليه سببية، وقيل: معنى كذبت قصدت التكذيب وابتدأته، ومعنى فكذبوا وبلغوا نهايته كما قيل في قوله: قد جبر الدين الأله فجبر وفي ذكره عليه السلام بعنوان العبودية مع الإضافة إلى نون العظمة تفخيم له عليه السلام ورفع لمحله وتشنيع لمكذبيه.
* (وقالوا مجنون) * أي لم يقتصروا على مجرد التكذيب بل نسبوه إلى الجنون فقالوا هو مجنون * (وازدجر) * عطف على - قالوا - وهو إخبار منه عز وجل أي وزجر عن التبليغ بأنواع الأذية والتخويف قاله ابن زيد، وقرأ * (لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين) * (الشعراء: 116) وقال مجاهد: هو من تمام قولهم أي هو مجنون، وقد ازدجرته الجن وذهبت بلبه وتخبطته، والأول أظهر وأبلغ، وجعل مبنيا للمفعول لغرض الفاصلة، وطهر الألسنة عن ذكرهم دلالة على أن فعلهم أسوأ من قولهم:
* (فدعا ربه أنى مغلوب فانتصر) *.
* (فدعا ربه أني) * أي بأني.
وقرأ ابن أبي اسحق. وعيسى. والأعمش. وزيد بن علي - ورويت عن عاصم - * (إني) * بكسر الهمزة على إضمار القول عند البصريين، وعلى إجراء الدعاء مجرى القول عند الكوفيين * (مغلوب) * من جهة قومي مالي قدرة على الانتقام منهم * (فانتصر) * فانتقم لي منهم، وقيل: فانتصر لنفسك إذ كذبوا رسولك، وقيل: المراد - بمغلوب - غلبتني نفسي حتى دعوت عليهم بالهلاك وهو خلاف الظاهر وما دعا عليه السلام عليهم إلا بعد اليأس من إيمانهم، والتأكيد لمزيد الاعتناء بأمر الترحم المقصود من الأخبار.
* (ففتحنآ أبوابالسمآء بماء منهمر) *.
* (ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر) * أي منصب، وقيل: كثير قال الشاعر: أعيناي جودا بالدموع (الهوامر) * على خير باد من معد وحاضر والباء للآلة مثلها في فتحت الباب بالمفتاح، وجوز أن تكون للملابسة والأول أبلغ، وفي الكلام استعارة تمثيلية بتشبيه تدفق المطر من السحاب بانصباب أنهاء انفتحت بها أبواب السماء وانشق أديم الخضراء. وهو الذي ذهب إليه الجمهور، وذهب قوم إلى أنه على حقيقته وهو ظاهر كلام ابن عباس.
(٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 ... » »»