تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٧ - الصفحة ٦
ومنهم جاحد ثم قال جل وعلا: * (يؤفك) * عن الإقرار بأمر القيامة من هو المأفوك، وذكر ذلك الزمخشري ولم يعزه، وادعى " صاحب الكشف " أنه أوجه لتلاؤم الكلام، وقيل: يجوز أن يكون الضمير - لقول مختلف - - وعن - للتعليل كما في قوله تعالى: * (وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك) * (هود: 53). ينهون عن أكل وعن شرب * مثل المها يرتعن في خصب أي يصرف بسبب ذلك القول المختلف من أراد الإسلام، وقال الزمخشري: حقيقته يصدر إفكهم عن القول المختلف، وهذا محتمل لبقاء - عن - على أصلها من المجاوزة واعتبار التضمين، وفيه ارتكاب خلاف الظاهر من غير داع مع ذهاب تلك المبالغة، وجوز ابن عطية رجوع الضمير إلى القول إلا أنه قال: المعنى يصرف عن ذلك القول المختلف بتوفيق الله تعالى للإسلام من غلبت سعادته، وتعقبه بأن فيه مخالفة للعرف فإن عرف الاستعمال في الإفك الصرف من خير إلى شر فلذلك لا تجده إلا في المذمومين، ثم إن ذلك على كون الخطاب في أنكم للكفار - وهو الذي ذهب إليه ابن زيد وغيره - واستظهر أبو حيان كونه عاما للمسلم والكافر، واستظهر العموم فيما سبق أيضا، والقول المخلف حينئذ قول المسلمين بصدق الرسول عليه الصلاة والسلام، وقول الكفار بنقيض ذلك، وقرأ ابن جبير. وقتادة * (من أفك) * مبنيا للفاعل أي من أفك الناس عنه وهم قريش، وقرأ زيد بن علي - يأفك عنه من أفك - أي يصرف الناس عنه من هو أفاك كذاب، وقرىء - يؤفن عنه من أفن - بالنون فيهما أي يحرمه من حرم من أفن الضرع إذا أنهكه حلبا.
* (قتل الخراصون) *.
* (قتل الخراصون) * أي الكذابون من أصحاب القول المختلف، وأصل الخرص الظن والتخمين ثم تجوز به عن الكذب لأنه في الغالب يكون منشأ له، وقال الراغب: حقيقة ذلك أن كل قول مقول عن ظن وتخمين يقال له: خرص سواء كان مطابقا للشيء أو مخالفا له من حيث أن صاحبه لم يقله عن علم ولا غلبة ظن ولاسماع بل اعتمد فيه على الظن والتخمين كفعل خارص الثمرة في خرصه، وكل من قال قولا على هذا النحو قد يسمى كاذبا وإن كان قوله مطابقا للمقول المخبر به كما في قوله تعالى: * (إذا جاءك المنافقون) * (المنافقون: 1) الآية انتهى.
وفيه بحث وحقيقة - القتل - معروفة، والمراد - بقتل - الدعاء عليهم مع قطع النظر عن المعنى الحقيقي.
وعن ابن عباس تفسيره باللعن قال ابن الأنباري: وإنما كان القتل بمعنى اللعن هنا لأن من لعنه الله تعالى بمنزلة المقتول الهالك، وقرىء - قتل الخراصين - أي قتل الله الخراصين.
* (الذين هم فى غمرة س‍اهون) *.
* (الذين هم في غمرة) * في جهل عظيم يغمرهم ويشملهم شمول الماء الغامر لما فيه * (ساهون) * غافلون عما أمروا به، فالمراد بالسهو مطلق الغفلة.
* (يس‍الون أيان يوم الدين) *.
* (يسئلون) * أي بطريق الاستعجال استهزاءا * (أيان يوم الدين) * معمول ليسألون على أنه جار مجرى يقولون لما فيه من معنى القول، أو لقول مصدر - أي فيقولون متى وقوع يوم الجزاء - وقدر الوقوع ليكون السؤال عن الحدث كما هو المعروف في * (أيان) * ولا ضير في جعل الزمان زمانيا فإن اليوم لما جعل موعودا ومنتظرا في نحو قوله تعالى: * (فارتقب يوم تأتي السماء) * (الدخان: 10) صار ملحقا بالزمانيات وكذلك - كل يوم له شأن مثل يوم العيد. والنيروز - وهذا
(٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 ... » »»