تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٥ - الصفحة ٩٩
فكنى عنه بقوله عز وجل: * (وتلذ الأعين) * ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه النسائي عن أنس: " حبب إلى الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة " وقال قيس بن ملوح: ولقد هممت بقتلها من حبها * كيما تكون خصيمتي في المحشر حتى يطول على الصراط وقوفنا * وتلذ عيني من لذيذ المنظر ويوافق هذا قول الإمام جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه: شتان بين ما تشتهي الأنفس وبين ما تلذ الأعين لأن جميع ما في الجنة من النعيم والشهوات في جنب ما تلذ الأعين كأصبع تغمس في البحر لأن شهوات الجنة لها حد ونهاية لأنها مخلوقة ولا تلذ عين في الدار الباقية إلا بالنظر إلى الباقي جل وعز ولا حد لذلك ولا صفة ولا نهاية انتهى، ويعلم مما ذكر أن المعنى على اعتبار وفيها ما تلذ الأعين وعلى ذلك بني الزمخشري قوله: هذا حصر لأنواع النعم لأنها أما مشتهاة في القلوب أو مستلذة في الأعين، وتعقبه في " الكشف " فقال: فيه نظر لانتقاضه بمستلذات سائر المشاعر الخمس، فإن قيل: إنها من القسم الأول قلنا: مستلذ العين كذلك فالوجه أنه ذكر تعظيما لنعيمها بأنه مما يتوافق فيه القلب والعين وهو الغاية عندهم في المحبوب لأن العين مقدمة القلب؛ وهذا قول بأنه ليس في الجملة الثانية اعتبار موصول آخر بل هي والجملة قبلها صلتان لموصول واحد وهو المذكور، وما تقدم هو الذي يقتضيه كلام الأكثرين، وحذف الموصول في مثل ذلك شائع، ولا مانع من إدخال النظر إلى وجهه تعالى الكريم فيما تلذ الأعين على ما ذكرناه أولا، و * (أل) * في الأنفس والأعين للاستغراق على ما قيل، ولا فرق بين جمع القلة والكثرة.
ولعل من يقول: بأن استغراق المفرد أشمل من استغراق الجمع ويفرق بين الجمعين في المبدإ والمنتهى يقول: بأن استغراق جمع القلة أشمل من استغراق جمع الكثرة، وقيل: هي للعهد، وقيل: عوض عن المضاف إليه أي ما تشتهيه أنفسهم وتلذ أعينهم، وجمع النفس والعين الباصرة على أفعل في كلامهم أكثر من جمعهما على غيره بل ليس في القرآن الكريم جمع الباصرة إلا على ذلك، وما أنسب هذا الجمع هنا لمكان * (الإخلاء) * وحمل ما تشتهيه النفس على المنكح والملبس وما يتصل بهما خلاف الظاهر.
وفي الأخبار أيضا ما هو ظاهر في العموم، أخرج ابن أبي شيبة. والترمذي. وابن مردويه عن بريدة قال: " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هل في الجنة خيل فإنها تعجبني؟ قال: إن أحببت ذلك أتيت بفرس من ياقوتة حمراء فتطير بك في الجنة حيث شئت، فقال له رجل: إن الإبل تعجبني فهل في الجنة من إبل؟ فقال: يا عبد الله إن أدخلت الجنة فلك فيها ما تشتهي نفسك ولذت عينك ".
وأخرج أيضا نحوه عن عبد الرحمن بن سابط وقال: هو أصح من الأول، وجاء نحوه أيضا في روايات أخر فلا يضره ما قيل من ضعف إسناده، ولا يشكل على العموم أن اللواطة مثلا لا تكون في الجنة لأن ما لا يليق أن يكون فيها لا يشتهي بل قيل في خصوص اللواطة أنه لا يشتهيها في الدنيا الأنفس السليمة.
واختلف الناس هل يكون في الجنة حمل أم لا فذهب بعض إلى الأول، فقد أخرج الإمام أحمد. وهناد. والدارمي. وعبد بن حميد. وابن ماجه. وابن حبان. والترمذي وحسنه. وابن المنذر. والبيهقي في البعث عن أبي سعيد الخدري قال: " قلنا يا رسول الله إن الولد من قرة العين وتمام السرور فهل يولد لأهل الجنة؟ فقال عليه الصلاة والسلام: إن المؤمن إذا اشتهى الولد في الجنة كان حمله ووضعه وسنه في ساعة كما يشتهي.
(٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 104 ... » »»