تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٥ - الصفحة ٩٨
هنا الانقياد والإخلاص ليفيد ذكره بعد الايمان فإذا جعل حالا أفاد بعد تلبسهم به في الماضي اتصاله بزمان الايمان، وكان تدل على الاستمرار أيضا ومن هنا جاء التأكيد والأبلغية بخلاف العطف، وكذا الحال المفردة بأن يقال: الذين آمنوا بآياتنا مخلصين، وقرأ غير واحد من السبعة * (يا عبادي) * بالياء على الأصل، والحذف كثير شائع وبه قرأ حفص. وحمزة. والكسائي، وقرأ ابن محيصن * (لا خوف) * بالرفع من غير تنوين، والحسن. والزهري. وابن أبي إسحق. وعيسى. وابن يعمر. ويعقوب. بفتحها من غير تنوين.
* (ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون) *.
* (ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم) * نساؤكم المؤمنات فالإضافة للاختصاص التام فيخرج من لم يؤمن منهم * (تحبرون) * تسرون سرورا يظهر حباره أي أثره من النضرة والحسن على وجوهكم كقوله تعالى: * (تعرف في وجوههم نضرة النعيم) * أو تزينون من الحبر بفتح الحاء وكسرها وهو الزينة وحسن الهيئة؛ وهذا متحد بما قبله معنى والفرق في المشتق منه، وقال الزجاج: أي تكرمون إكراما يبالغ فيه، والحبرة بالفتح المبالغة في الفعل الموصوف بأنه جميل ومنه الإكرام فهو في الأصل عام أريد به بعض أفراده هنا.
* (يطاف عليهم بصح‍افمن ذهب وأكوابوفيها ما تشتهيه الانفس وتلذ الاعين وأنتم فيها خ‍الدون) *.
* (يطاف عليهم) * بعد دخولهم الجنة حيثما أمروا به * (بصحاف من ذهب وأكواب) * كذلك، والصحاف جمع صحفة قيل هي كالقصعة، وقيل: أعظم أواني الأكل الجفنة ثم القصعة ثم الصحفة ثم الكيلة.
والأكواب جمع كوكب وهو كوز لا عروة له، وهذا معنى قول مجاهد لا إذن له، وهو على ما روى عن قتادة دون الإبريق، وقال: بلغنا أنه مدور الرأس ولما كانت أواني المأكول أكثر بالنسبة لأواني المشروب عادة جمع الأول جمع كثرة والثاني جمع قلة، وقد تظافرت الأخبار بكثرة الصحاف، أخرج ابن المبارك. وابن أبي الدنيا في صفة الجنة. والطبراني في " الأوسط " بسند رجاله ثقات عن أنس قال: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أسفل أهل الجنة أجمعين درجة لمن يقوم على رأسه عشرة آلاف خادم بيد كل واحد صحفتان واحدة من ذهب والأخرى من فضة في كل واحدة لون ليس في الأخرى مثله يأكل من آخرها مثل ما يؤكل من أولها يجد لآخرها من الطيب واللذة مثل الذي يجد لأولها ثم يكون ذلك كرشح المسك الأذفر لا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون إخوانا على سرر متقابلين " وفي حديث رواه عكرمة " إن أدنى أهل الجنة منزلة وأسفلهم درجة لرجل لا يدخل بعده أحد يفسح له في بصره مسيرة عام في قصور من ذهب وخيام من لؤلؤ ليس فيها موضع شبر إلا معمور يغدي عليه كل يوم ويراح بسبعين ألف صحفة في كل صحفة لون ليس في الأخرى مثله شهوته في آخرها كشهوته في أولها لو نزل عليه جميع أهل الأرض لوسع عليهم مما أعطى لا ينقص ذلك مما أوتي شيئا " وروى ابن أبي شيبة هذا العدد عن كعب أيضا، وإذا كان ذلك لودنى فما ظنك بالأعلى، رزقنا الله تعالى ما يليق بجوده وكرمه.
وأمال أبو الحرث عن الكسائي كما ذكر ابن خالويه بصحاف * (وفيها) * أي في الجنة * (ما تشتهيه) * من فنو الملاذ * (وتلذ الأعين) * أي تستلذ وتقر بمشاهدته، وذكر ذلك الشامل لكل لذة ونعيم بعد ذكر الطواف عليهم بأواني الذهب الذي هو بعض من التنعم والترفه تعميم بعد تخصيص كما أن ذكر لذة العين التي هي جاسوس النفس بعد اشتهاء النفس تخصيص بعد تعميم، وقال بعض الأجلة: إن قوله تعالى: * (يطاف عليهم) * بصحاف دل على الأطعمة * (وأكواب) * على الأشربة، ولا يبعد أن يحمل قوله سبحانه: * (وفيها ما تشتهيه الأنفس) * على المنكح والملبس وما يتصل بهما ليتكامل جميع المشتهيات النفسانية فبقيت اللذة الكبرى وهي النظر إلى وجه الله تعالى الكريم
(٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 ... » »»