المأمون العثار المحمود في الدارين، وقوله تعالى: * (إنه لا يحب الظالمين) * المتجاوزين الحد في الانتقام، تتميم لذلك المعنى وتصريح بما ضمن من عسر رعاية طريق المماثلة وأنه قلما تخلو عن الاعتداء والتجاوز لا سيما في حال الحرد والتهاب الحمية فيكون دخولا في زمرة من لا يحبه الله تعالى، ولا حاجة على هذا المعنى إلى جعل * (فمن عفا) * الخ اعتراضا، ثم لو كان كذلك بأن يكون هذا متعلقا بجزاء سيئة سيئة مثلها على أنه تعليل لما يفهم منه فالفاء غير مانعة عنه كما توهم، وأدخل غير واحد المبتدئين بالسيئة في الظالمين.
* (ولمن انتصر بعد ظلمه فأولائك ما عليهم من سبيل) *.
* (ولمن انتصر بعد ظلمه) * بعد ما ظلم بالبناء للمجهول، وقرىء به فالمصدر مضاف لمفعوله أو هو مصدر المبني للمفعول واللام للقسم، وجوز أن تكون لام الابتداء جيء بها للتوكيد و * (من) * شرطية أو موصولة وحمل انتصر على لفظها وحمل * (فأولائك ما عليهم من سبيل) * أي للمعاقب ولا للعاتب والعائب على معناها، والجملة عطف على دمن عفا) * وجيء بها للتصريح بأن ما حض عليه إنما حض عليه إرشادا إلى الأصلح في الأغلب لا أن المنتصر عليه سبيل بوجه حالا أو مآلا، ولا يهام الحض خلاف ما تضمنته من نفي السبيل على العموم صدرت باللام، وقوله تعالى:
* (إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون فى الارض بغير الحق أولائك لهم عذاب أليم) *.
* (إنما السبيل على الذين يظلمون الناس) * تعيين لمن عليه السبيل بعد نفي ذلك عن المنتصرين، والمراد بالذين يظلمون الناس من يبدؤنهم بالظلم أو يزيدون في الانتقام ويتجاوزون ما حدلهم، وفسر ذلك بعضهم بالذين يفعلون بهم ما لا يستحقونه وهو أعم.
* (ويبغون في الأرض بغير الحق) * أي يتكبرون فيها تجبرا وفسادا * (أولائك) * الموصوفون بالظلم والبغي بغير الحق * (لهم عذاب أليم) * بسبب ظلمهم وبغيهم، والمراد بهؤلاء الظالمين الباغين الكفرة.
وقيل: من يعمهم وغيرهم، وقوله تعالى:
* (ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الامور) *.
* (ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور) * تحذير عن الظلم والبغي وما يؤدي إلى العذاب الأليم بوجه، وفيه حض على ما حض عليه أولا اهتماما به وزيادة ترغيب فيه، فالصبر هنا هو الاصلاح المؤخر فيما تقدم قدم هنا، وعبر عنه بالصبر لأنه من شأن أولى العزم وإشارة إلى أن الاصلاح بالعفو والاغضاء إنما يحمد إذا كان عن قدرة لا عن عجز، و " ذلك " إشارة إلى المذكور من الصبر والمغفرة، و * (عزم الأمور) * الأمور المعزومة المقطوعة أو العازمة الصادقة، وجوز في * (من) * أن تكون موصولة وأن تكون شرطية، وفي اللام أن تكون ابتدائية وأن تكون فسمية واكتفى بجواب القسم عن جواب الشرط، وإذا جعلت اللام للابتداء و * (من شرطية فجملة * (إن ذلك) * جواب الشرط وحذفت الفاء منها، ومن يخص الحذف بالشعر لا يجوز هذا الوجه، وذكر جماعة أن في الكلام حذفا أي إن ذلك منه لمن عزم الأمور، وعلل ذلك بأن الجملة خبر فلا بد فيها من رابط و * (ذلك) * لا يصلح له لأنه إشارة إلى الصبر والمغفرة، وكونه مغنيا عنه لأن المراد صبره أو * (ذلك) * رابط والإشارة لمن بتقدير من ذوي عزم الأمور تكلف.
هذا واختار العلامة الطيبي أن تسمية الفعلية الثانية التي هي الجزاء سيئة من باب التهجين ودن المشاكلة، وزعم أن المجازي مسيء وبنى على ذلك ربط جملة * (إنه لا يحب الظاليمن) * (الشورى: 40) بما قبل فقال: يكن أن يقال لما نسب المجازي إلى المساءة في قوله سبحانه: * (وجزاء سيئة سيئة مثلها) * (الشورة 40) والمسيء في هذا المقام مفسدا لما في البيت بدليل * (فمن عفا وأصلح) * علل مفهوم ذلك بقوله سبحانه: * (إنه لا يحب الظالمين) * كأنه قيل: من أخرج نفسه