وقرأ نافع وأبو عمرو الجواري بياء في الوصل دون الوقف.
وقرأ ابن كثير بها فيهما والباقون بالحذف فيهما والإثبات على الأصل والحذف للتخفيف، وعلى كل فالأعراب تقديري وسمع من بعض العرب الأعراب على الراء.
* (إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره إن فى ذلك لايات لكل صبار شكور) *.
* (إن يشأ يسكن الريح) * التي تجري بها ويعدم سبب تموجها وهو تكاثف الهواء الذي كان في المحل الذي جرت إليه وتراكم بعضه على بعض وسبب ذلك التكاثف إما انخفاض درجة حرارة الهواء فيقل تمدده ويتكاثف ويترك أكثر المحل الذي كان مشغولا به خليا وإما تجمع فجائي يحصل في الأبخرة المنتشرة في الهواء فيخلو محلها، وهذا على ما قيل أقوى الأسباب فإذا وجد الهواء أمامه فراغا بسبب ذلك جرى بقوة ليشغله فتحدت الريح وتستمر حتى تملأ المحل وما ذكر في سبب التموج هو الذي ذكره فلاسفة العصر. وأما المتقدمون فذكروا أشياء أخر، ولعل هناك أسبابا غير ذلك كله لا يعلمها إلا الله عز وجل، والقول بالأسباب تحريكا واسكانا لا ينافي إسناد الحوادث إلى الفاعل المختار جل جلاله وعم نواله.
/ وقرأ نافع * (الرياح) * جمعا * (فيظللن رواكد على ظهره) * فيصرن ثوابت على ظهر البحر أي غير جاريات لا غير متحركات أصلا، وفسر بعضهم * (يظللن) * بيبقين فيكون * (رواكد) * حالا والأول أولى.
وقرأ قتادة * (فيظللن) * بكسر اللام والقياس الفتح لأن الماضي مكسور العين فالكسر في المضارع شاذ، وقال الزمخشري: هو من ظلل يظل بالفتح والكسر نحو ضل بالضاد يضل ويضل، وتعقبه أبو حيان بأنه ليس كما ذكر لأن يضل بالفتح من ضللت بالكسر ويضلل بالكسر من ضللت بالفتح وكلاهما مقيس * (إن في ذالك) * الذي ذكر من السفن المسخرة في البحر تحت أمره سبحانه وحسب مشيئته تعالى: * (لآيات) * عظيمة كثيرة على عظمة شؤنه عز وجل * (لكل صبار شكور) * لكل من حبس نفسه عن التوجه إلى ما لا ينبغي ووكل همته بالنظر في آيات الله تعالى والتفكر في آلائه سبحانه فالصبر هنا حبس مخصوص والتفكر في نعمه تعالى شكر.
ويجوز أن يكون قد كني بهذين الوصفين عن المؤمن الكامل لأن الإيمان نصفه صبر ونصفه شكر.
وذكر الإمام أن المؤمن لا يخلو من أن يكون في السراء والضراء فإن كان في الضراء كان من الصابرين وان كان في السراء كان من الشاكرين.
* (أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير) *.
* (أو يوبقهن) * عطف على * (يسكن) * أي أو يهلكهن بارسال الريح العاصفة المغرقة، والمراد على ما قال غير واحد اهلاك أهلها إما بتقدير مضاف أو بالتجوز باطلاق الملح على حاله أو بطريق الكناية لأنه يلزم من إهلاكها إهلاك من فيها والقرينة على إرادة ذلك قوله تعالى: * (بما كسبوا) * وأصله أو يرسلها أي الريح فيوبقهن لأنه قسيم يسكن فاقتصر فيه على المقصود من إرسالها عاصفة وهو إما إهلاكهم أو انجاؤهم المراد من قوله تعالى: * (ويعف عن كثير) * إذا المعنى أو يرسلها فيوبق ناسا بذنوبهم وينج ناسا على طريق العفو عنهم وبهذا ظهر وجه جزم * (يعف) * لأنه بمعنى ينج معطوف على يوبق، ويعلم وجه عطف بالواو لأنه مندرج في القسيم وهو ارسالها عاصفة، وعلى هذا التفسير تكون الآية متضمنة لإسكانها ولإرسالها عاصفة مع الإهلاك والإنجاء وإرسالها باعتدال معلوم من قوله سبحانه الجواري فإنها المطلوب الأصلي منها.
وقال بعض الأجلة: التحقيق أن * (يعف) * عطف على قوله تعالى: * (يسكن الريح) * (الشورى: 33) إلى قوله سبحانه: * (بما كسبوا) * ولذا عطف بالواو لا بأو والمعنى إن يشأ يعاقبهم بالإسكان أو الاعصاف وإن يشأ يعف عن كثير.
وجوز بعضهم حمل * (يوبقهن) * على ظاهره لأن السفن من جملة أموالهم التي هلاكها والخسارة فيها بذنوبهم أيضا وجعل الآية مثل قوله تعالى: * (وما أصابكم من مصيبة) * (الشورى: 30) الخ.
وقرأ الأعمش * (يعفو) * بالواو الساكنة آخره على عطفه على مجموع الشرط والجواب دون الجواب وحده كما في قراءة الجزم، وعن أهل المدينة أنهم قرؤوا * (يعفو) * بالواو المفتوحة على أنه منصوب بأن مضمرة وجوبا بعد الواو والعطف على هذه القراءة على مصدر متصيد مت الكلام السابق كأنه قيل: يقع وهو من العطف على المعنى وهذا مذهب البصريين في مثل ذلك وتسمى هذا الواو واو الصرف لصرفها عن عطف الفعل المجزوم قبلها إلى عطف مصدر على مصدر، ومذهب الكوفيين أن الواو بمعنى أن المصدرية ناصبة للمضارع بنفسها.
واختار الرضى أن الواو أما واو الحال والمصدر بعدها مبتدأ خبره مقدر والجمالة حالية أو واو المعية وينصب بعدها الفعل لقصد الدلالة على معية الأفعال كما أن الواو في المفعول معه دالة على مصاحبة الأسماء فعدل به عن