تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٥ - الصفحة ٤٧
خير لكم من بطنها وإذا كان أمراؤكم شراركم وأغنياؤكم بخلاءكم وأمركم إلى نسائكم فبطن الأرض خير لكم من ظهرها " وإذا لم تكن على ذلك الوجه كان افسادها للدين والدنيا أكثر من اصلاحها * (ومما رزقناهم ينفقون) * أي في سبيل الخير لأنه مسوق للمدح ولا مدح بمجرد الإنفاق، ولعل فصله عن قرينة بذكر المشاورة لأن الاستجابة لله تعالى وأقام الصلاة كانا من آثارها، وقيل: لوقوعها عند اجتماعهم للصلوات.
* (والذين إذآ أصابهم البغى هم ينتصرون) *.
* (والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون) * أي ينتقمون ممن بغى عليهم على ما جعله الله تعالى لهم ولا يعتدون، ومعنى الاختصاص انهم الاخصاء بالانتصار وغيرهم يعدو ويتجاوز، ولا يراد أنهم ينتصرون ولا يغفرون ليتناقض هو والسابق، فكأنه وصفهم سبحانه بأنهم الأخصاء بالغفران لا يغول الغضب أحلامهم كما يغول في غيرهم وأنهم الأخصاء بالانتصار على ما جوز لهم إن كافؤا ولا يعتدون كغيرهم فهم محمودون في الحالتين بين حسن وأحسن مخصوصون بذلك من بين الناس، وقال غير واحد: إن كلا من الوصفين في محل وهو فيه محمود فالعفو عن العاجز المعترف بجرمه محمود ولفظ المغفرة مشعر به والانتصار من المخاصم المصر محمود، ولفظ الانتصار مشعر به ولو أوقعا على عكس ذلك كانا مذمومين وعلى هذا جاء قوله: إذا أنت أكرمت الكريم ملكته * وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا فوضع الندى في موضع السيف بالعلا * مضر كوضع السيف في موضع الندى زقد يحمد كل ويذم باعتبارات أخر فلا تناقض أيضا سواء اتحد الموصوفان في الجملتين أولا، وقال بعض المحققين: الأوجه أن لا يحمل الكلام على التخصيص بل على التقوى أي يفعلون المغفرة تارة والانتصار أخرى لا دائما للتناقض وليس بذاك، وعن النخفي أنه كان إذا قرأ هذه الآية قال: كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فيجترىء عليهم الفساق، وفيه إيماء إلى أن الانتصار من المخاصم المصر وإلا فلا إذلال للنفس بالعفو عن العاجز المعترف، ثم إن جملة * (هم ينتصرون) * من المبتدأ والخبر صلة الموصول ودإذا) * ظرف * (ينتصرون) * وجوز كونها شرطية والجملة جواب الشرط وجملة الجواب والشرط هي الصلة. وتعقبه أبو حيان بما مر آنفا، وجوز أيضا كون * (هم) * فاعلا لمحذوف وهو كما سمعت في * (وإذا ما غضبوا) * الخ، وقال الحوفي: يجوز جعل * (هم) * توكيدا لضمير * (أصابهم) * وفيه الفصل بين المؤكد والمؤكد بالفاعل ولعله لا يمتنع، ومع هذا فالوجه في الاعراب ما أشرنا إليه أولا.
* (وجزآء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظ‍المين) *.
* (وج‍ازؤا سيئة سيئة مثلها) * بيان لما جعل للمنتصر وتسمية الفعلة الثانية وهي الجزاء سيئة قيل للمشاكلة، وقال جار الله: تسمية كلتا الفعلتين سيئة لأنها تسوء من تنزل به، وفيه رعاية لحقيقة اللفظ واشارة إلى أن الانتصار مع كونه محمودا إنما يحمد بشرط رعاية المماثلة وهي عسرة ففي مساقها حث على العفو من طريق الاحتياط، وقوله تعالى: * (فمن عفا) * أي عن المسيء إليه * (وأصلح) * ما بينه وبين من يعاديه بالعفو والأغضاء عما صدر منه * (فأجره على الله) * فيجزيه جل وعلا أعظم الجزاء، تصريح بما لوح إليه ذلك من الحث وتنبيه على أنه وإن كان سلوكا لطريق الاحتياط يتضمن مع ذلك اصلاح ذات البين المحمود حالا ومالا ليكون زيادة تحريض عليه، وابهام الأجر وجعله حقا على العظيم الكريم جل شأنه الدال على عظمه زيادة في الترغيب، وجيء بالفاء ليفرعه عن السابق أي إذا كان سلوك الانتصار غير مأمون العثار فمن عفا وأصلح فهو سالك الطريق
(٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 ... » »»