تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٥ - الصفحة ٤٢
في العفو ومحال عندهم أن يكون العفو هنا مقيدا بالتوبة فإنه يلزم تبعيضها أيضا وهي عندهم لا تتبعض كما نقل الإمام عن أبي هاشم وهو رأس الاعتزال والذي تولى كبره منهم فلا محل لها إلا الحق الذي لا مرية فيه وهو رد العفو إلى مشيئة الله تعالى غير موقوف على التوبة. وأجيب عنهم بأن لهم أن يقولوا: المراد ويعفو عن كثير فلا يعاقب عليه في الدنيا بل يؤخر عقوبته في الآخرة لمن لم يتب. وأنت تعلم ما دل خبر علي كرم الله تعالى وجهه.
* (ومآ أنتم بمعجزين فى الارض وما لكم من دون الله من ولى ولا نصير) *.
* (وما أنتم بمعجزين في الأرض) * أي جاعلين الله سبحانه وتعالى عاجزا عن أن يصيبكم بالمصائب بما كسبت أيديكم وإن هربتم في أقطار الأرض كل مهرب، وقيل: المراد أنكم لا تعجزون من في الأرض من جنوده تعالى فكيف من في السماء * (وما لكم من دون الله من ولى) * من متول بالرحمة يرحمكم إذا أصابتكم المصائب وقيل يحميكم عنها * (ولا نصير) * يدفعها عنكم، والجملة كالتقرير لقوله تعالى: * (ويعفو عن كثير) * أي أن الله تعالى يعفو عن كثير من المصائب إذ لا قدرة لكم أن تعجزوه سبحانه فتفوتوا ما قصى عليكم منها ولا لكم أيضا من متول بالرحمة غيره عز وجل ليرحمكم إذا أصابتكم ولا ناصر سواه لينصركم منها ولهذا جاء عن علي كرم الله تعالى وجهه أن هذه أرجى آية في القرآن للمؤمنين، ويقوى أمر الرجاء على ما قيل: أن معنى * (ما أنتم) * الخ ما أنتم بمعجزين الله تعالى في دفع مصائبكم أي أنه سبحانه قادر على ذلك * (ومن ءاي‍اته الجوار فى البحر ك الاعل‍ام) *.
* (ومن ءاياته الجوار) * أي السفن الجواري أي الجارية فهي صفة لموصوف محذوف لقرينة قوله تعالى: * (في البحر) * وبذلك حسن الحذف وإلا فهي صفة غير مختصة والقياس فيها أن لا يحذف الموصوف وتقوم مقامه، وجوز أبو حيان أن يقال: إنها صفة غالبة كالابطح وهي يجوز فيها أن تلى العوامل بغير ذكر الموصوف، و * (في البحر) * متعلق بالجواري وقوله تعالى: * (كالأعلام) * في موضع الحال.
وجوز أن يكون الأول أيضا كذلك، والاعلام جمع علم وهو الجبل وأصله الأثر الذي يعلم به الشيء كعلم الطريق وعلم الجيش وسمى الجبل علما لذلك ولا اختصاص له بالجبل الذي عليه النار للاهتداء بل إذا أريد ذلك قيد كما في قول الخنساء: وإن صخر التأتم الهداة به * كأنه علم في رأسه نار وفيه مبالغة لطيفة، وحكى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لماسمعه: قاتلها الله تعالى ما رضيت بتشبيهه بالجبل حتى جعلت على رأسه نارا.
(٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 ... » »»