تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٥ - الصفحة ٣٨
فضله) * (البقرة: 90) متعلق بيزيدهم مطلقا، وجوز تعليقه بالفعلين على التنازع فإن الإجابة والثواب فضل منه تعالى كالزيادة.
وأيا ما كان فالظاهر عموم الذين آمنوا وروي عن سعيد بن جبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم المدينة واستحكم الإسلام قالت الأنصار فيما بينها: نأتي رسول الله عليه الصلاة والسلام ونقول له: إن تعرك أمور فهذه أموالنا تحكم فيها فنزلت قل * (لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى) * (الشروى: 23) فقرأها عليهم، وقال تودون قرابتي من بعدي فخرجوا مسلمين فقال المنافقون: إن هذا لشيء افتراه في مجلسه أراد بذلك عن قرابته من بعده فنزلت * (أم يقولون افترى على الله كذبا) * فأرسل إليهم فتلاها عليهم فبكوا وندموا فأنزل الله تعالى: * (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده) * فأرسل صلى الله عليه وسلم إليهم فبشرهم وقال: * (ويستجيب الذين آمنوا) * وهم الذين سلموا لقوله ذكر ذلك الطبرسي، وذكر قريبا منه في " الدر المنثور " لكن قال: أخرجه الطبراني في الأوسط. وابن مردويه عن ابن جبير بسند ضعيف، والذي يغلب على الظن الوضع * (والك‍افرون لهم عذاب شديد) * بدل ما للمؤمنين من الإجابة والتفضل.
* (ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا فى الارض ول‍اكن ينزل بقدر ما يشآء إنه بعباده خبير بصير) *.
* (ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض) * أي لتكبروا فيها بطرا وتجاوزوا الحد الذي يليق بالعبيد أو لظلم بعضهم بعضا فإن الغنى مبطرة مأشرة، وكفى بحال قارون عبرة، وفي الحديث " أخوف ما أخاف على أمتي زهرة الدنيا وكثرتها " ولبعض العرب: وقد جعل الوسمي ينبت بيننا * وبين بني رومان نبعا وشوحطا وأصل البغي طلب أكثر مما يجب بأن يتجاوز في القدر والكمية أو في الوصف والكيفية * (ول‍اكن ينزل) * بالتشديد، وقرأ ابن كثير. وأبو عمرو بالتخفيف من الإنزال * (بقدر) * بتقدير * (ما يشاء) * وهو ما اقتضته حكمته جل شأنه * (إنه بعباده خبير بصير) * محيط بخفيات أمورهم وجلاياها فيقدر لكل واحد منهم في كل وقت من أوقاتهم ما يليق بشأنه فيفقر ويغني ويمنع ويعطي ويقبض ويبسط حسبما تقتضيه الحكمة الربانية ولو أغناهم جميعا لبغوا ولو أفقرهم لهلكوا. واستشكلت الآية بأن الغنى كما يكون سبب البغي فكذلك الفقر قد يكون فلا يظهر الشرطية، وأجاب جار الله بأنه لا شبهة أن البغي مع الفقر أقل ومع البسط أكثر وأغلب وكلاهما سبب ظاهر للإقدام على البغي والإحجام عنه فلو عم البسط لغلب البغي حتى ينقلب الأمر إلى عكس ما عليه الآن وأراد والله تعالى أعلم أن نظام العالم على ما هو عليه يستمر وإن كان قد يصدر من الغني في بعض الأحيان بغي ومن الفقير كذلك لكن في أحدهما ما يدفع والآخر أما لو أفقرهم كلهم لكان الضعف والهلك لازما ولو بسط عليهم كلهم مع أن الحاجة طبيعية لكان من البغي ما لا يقادر قدره لأن نظام العالم بالفقر أكثر منه بالغنى، وهذا أمر ظاهر مكشوف؛ ثم إن الفقر الكلي لا يتصور معه البغي للضعف العام ولأنه لا يجد حاجته عند غيره ليظلمه، وأما الغنى الكلي فعنده البغي التام، وأما الذي عليه سنة الله عز وجل فهو الذي جمع الأمرين مشتملا على خوف للغني من الفقراء يزعه عن الظلم وخوف للفقير من الأغنياء أكثر منه يدعوه إلى التعاون ليفوز بمبتغاه ويزعه عن البغي، ثم قد يتفق بغي من هذا أو ذاك كذا قرره صاحب الكشف ثم قال: وهذا جواب حسن لا تكلف فيه وهو إشارة إلى رد العلامة الطيبي فإنه زعم أنه جواب متكلف وأن السؤال قوي، وذهب هو إلى أن المراد * (بعباده) * من خصهم الله تعالى بالكرامة وجعلهم من أوليائه ثم قال: وينصره التذييل بقوله تعالى: * (إنه بعباده خبير بصير) *
(٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 ... » »»