والمبالغة في الكيفية لأنه إذا دق جدا كان أخفى وأخفى، وإرادة الجميع من إضافة العباد وهو جمع إلى ضميره تعالى فيفيد الشمول والاستغراق، وبالعموم قال مقاتل إلا أنه قال: لطيف بالبر والفاجر حيث لم يقتلهم جوعا.
وقال أبو حيان: لطيف بعباده أي بر بعباده المؤمنين ومن سبق له الخلود في الجنة وما يرى من النعم على الكافر فليس بلطف إنما هو إملاء إلا ما آل إلى رحمة ووفاة على الإسلام، وحكى الطيبي هذا التخصيص عن الواحدي ومال إلى ترجيحه وذلك أنه ادعى أن الإضافة في * (عباده) * إضافة تشريف إذ أكثر استعمال التنزيل الجليل في مقل ذلك فيختص العباد بأوليائه تعالى المؤمنين، وحمل اللطف على منح الهداية وتوفيق الطاعة وعلى الكمالات الأخروية والكرامات السنية، وحمل الرزق في قوله تعالى: * (يرزق من يشاء) * عليه أيضا وقال: إن استعماله فيما ذكر كاستعماله في قوله تعالى: * (ليجزيهم الله أحسن ماعملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب) * (النور: 38).
وجعل قوله سبحانه: * (وهو القوي العزيز) * مؤذنا بالتعليل كأنه قيل: إنما تلطف جل شأنه في حق عباده المؤمنين دون من غضب عليهم بمحض مشيئته سبحانه لأنه تعالى قوي قادر على أن يختص برحمته وكرامه من يشاء من عباده عزيز غالب لا يمنعه سبحانه عما يريده أحد، وادعى أنه يكون وزان الآية على هذا مع قوله تعالى:
* (من كان يريد حرث الاخرة نزد له فى حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له فى الاخرة من نصيب) *.
* (من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه) * الآية وزان قوله عز وجل: * (ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها * قد أفلح من زكاها * وقد خاب من دساها) * (الشمس: 7 - 10) وينتظم الكلام أتم انتظام وتلتئم أطرافه أشد التآم، ولا يقال حينئذ: إن قوله تعالى: * (يرزق من يشاء) * حكم مترتب على السابق فكان ينبغي أن يعم عمومه والعموم أظهر، وحديث التخصيص في * (يرزق من يشاء) * فقد أجاب عنه " صاحب التقريب " فقال إنما خصص الرزق بمن يشاء مع أنهم كلهم بر سبحانه بهم لأنه تعالى قد يخص أحدا بنعمة وغيره بأخرى فالعموم لجنس البر والخصوص لنوعه. وأشار جار الله إلى أنه لا تخصيص بالحقيقة فإن المعنى الله تعالى بليغ البر بجميع عباده يرزق من يشاء ما يشاء سبحانه منه - فيرزق من يشاء - بيان لتوزيعه على جميعهم فليس الرزق لا النصيب الخاص لكل واحد، ولما شمل الدارين لاءم قوله تعالى: * (من كان يريد) * الخ كل الملاءمة، ولا يتوقف هذا على ما قاله الطيبي، ولعل أمر التذييل بالاسمين الجليلين على القول بالعموم أظهر والتعليل أنسب فكأنه قيل: لطيف بعباده عام الإحسان بهم لأنه تعالى القوي الباهر القدرة الذي غلب وغلبت قدرته سبحانه جميع القدر يرزق من يشاء لأنه العزيز الذي لا يغلب على ما يريد فكل من الاسمين الجليلين ناظر إلى حكم فافهم * (وقل رب زدني علما) * (طه: 114). فكم لله من لطف خفي * يدق خفاه عن فهم الذكي والحرث في الأصل إلقاء البذر في الأرض يطلق على الزرع الحاصل منه، ويستعمل في ثمرات الأعمال ونتائجها بطريق الاستعارة المبنية على تشبيهها بالغلال الحاصلة من البذور المتضمن لتشبيه الأعمال بالبذور أي من كان يريد بأعماله ثواب الآخرة نضاعف له ثوابه بالواحد عشرة إلى سبعمائة فما فوقها * (ومن كان يريد) * بأعماله * (حرث الدنيا) * وهو متاعها وطيباتها * (نؤته منها) * أي شيئا منها حسبما قدرناه له بطلبه وإرادته * (وما له في الآخرة من نصيب) * إذ كانت همته مقصورة على الدنيا وقرأ ابن مقسم. والزعفراني. ومحبوب.