ما من شأنهم العلم والنظر * (فهم لا يسمعون) * أي لا يقبلون ولا يطيعون من قولك: تشفعت إلى فلان فلم يسمع قولي ولقد سمعه ولكنه لما لم يقبله ولم يعمل بمقتضاه فكأنه لم يسمعه وهو مجاز مشهور.
وفي " الكشف " أن قوله تعالى: * (فاعرض) * مقابل قوله تعالى: * (لقوم يعلمون) * وقوله سبحانه: * (فهم لا يسمعون) * مقابل قوله جل شأنه: * (بشيرا ونذيرا) * أي أنكروا إعجازه والإذعان له مع العلم ولم يقبلوا بشائره ونذره لعدم التدبر.
* (وقالوا قلوبنا فىأكنة مما تدعونا إليه وفى ءاذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون) *.
* (وقالوا قلوبنا في أكنة) * أي أغطية متكاثفة * (مما تدعونا إليه) * من الإيمان بالله تعالى وحده وترك ما ألفينا عليه آباءنا و * (من) * على ما في " البحر " لابتداء الغاية * (وفي ءاذاننا وقر) * أي صمم وأصله الثقل.
وقرأ طلحة بكسر الواو وقرىء بفتح القاف * (ومن بيننا وبينك حجاب) * غليظ يمنعنا عن التواصل ومن للدلالة على أن الحجاب مبتدأ من الجانبين بحيث استوعب ما بينهما من المسافة المتوسطة ولم يبق ثمت فراغ أصلا.
وتوضيحه أن البين بمعنى الوسط بالسكون وإذا قيل: بيننا وبينك حجاب صدق على حجاب كائن بينهما استوعب أولا، وأما إذا قيل: من بيننا فيدل على أن مبتدأ الحجاب من الوسط أعني طرفه الذي يلي المتكلم فسواء أعيد * (من) * أو لم يعد يكون الطرف الآخر منتهى باعتبار ومبتدأ باعتبار فيكون الظاهر الاستيعاب لأن جميع الجهة أعني البين جعل مبتدأ الحجاب فالمنتهى غيره البتة، وهذا كاف في الفرق بين الصورتين كيف وقد أعيد البين لاستئناف الابتداء من تلك الجهة أيضا إذ لو قيل: ومن بيننا بتغليب المتكلم لكفى، ثم ضرورة العطف على نحو بيني وبينك إن سلمت لا تنافي إرادة الإعادة له فتدبر، وما ذكروه من الجمل الثلاث تمثيلات لنبو قلوبهم عن إدراك الحق وقبوله ومج أسماعهم له وامتناع مواصلتهم وموافقتهم للرسول صلى الله عليه وسلم وأرادوا بذلك إقناطه عليه الصلاة والسلام عن اتباعهم إياه عليه الصلاة والسلام حتى لا يدعوهم إلى الصراط المستقيم.
وذكر أبو حيان أنه لما كان القلب محل المعرفة والسمع والبصر معينان على تحصيل المعارف ذكروا أن هذه الثلاثة محجوبة عن أن يصل إليها مما يلقيه الرسول صلى الله عليه وسلم شيء ولم يقولوا على قلوبنا أكنة كما قالوا: وفي آذاننا وقر ليكون الكلام على نمط واحد في جعل القلوب والآذان مستقر الأكنة والوقر وإن كان أحدهما استقرار استعلاء والثاني استقرار احتواء إذ لا فرق في المعنى بين قلوبنا في أكنة وعلى قلوبنا أكنة والدليل عليه قوله تعالى: * (إنا جعلنا على قلوبهم أكنة) * أن يفقهوه ولو قيل إنا جعلنا قلوبهم في أكنة لم يختلف المعنى فالمطابقة حاصلة من حيث المعنى والمطابيع من العرب لا يراعون الطباق والملاحظة إلا في المعاني، واختصاص كل من العبارتين بموضعه للتفنن على أنه لما كان منسوبا إلى الله تعالى في سورة بني إسرائيل والكهف كان معنى الاستعلاء والقهر أنسب، وههنا لما كان حكاية عن مقالهم كان معنى الاحتواء أقرب، كذا حققه بعض الأجلة ودغدغ فيه، وتفسير الأكنة بالأغطية هو الذي عليه جمهور المفسرين فهي جمع كنان كغطاء لفظا ومعنى: وقيل: هي ما يجعل فيها السهام. أخرج عبد بن حميد. وابن المنذر عن مجاهد أنه قال في قوله تعالى: * (وقالوا قلوبنا في أكنة) * قالوا كالجعبة للنبل * (فاعمل) * على دينك وقيل في إبطال أمرنا * (إننا عاملون) * على ديننا وقيل: في إبطال أمرك والكلام على الأول متاركة وتقنيط عن اتباعه عليه الصلاة والسلام، ومقصودهم أننا عاملون، والأول: توطئة له، وحاصل المعنى أنا لا نترك ديننا بل نثبت عليه