تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٤ - الصفحة ٩٨
إثبات النبوة أولا مفصلا بقوله تعالى: * (حم) * الآيات ومجملا ثانيا بقوله: * (يوحى إلي) * ثم قيل: * (أنما الهكم) * بيانا للمقصود فقوله * (يوحى) * إلى مسوق للتمهيد، وفيه رمز إلى إثبات النبوة، وهذا المعنى على القول بأن المراد من * (فاعمل) * الخ فاعمل في إبطال أمرنا إننا عاملون في إبطال أمرك ظاهر، وأما على القول الأول فوجهه أن الدين هو جملة ما يلتزمه المبعوث إليه من طاعة الباعث تعالى بواسطة تبليغ المبعوث فهو مسبب عن نبوته المسببة عن دليلها فأظهروا بذلك أنهم منقادون لما قرر لديهم آباؤهم من منافاة النبوة للبشرية وأنه دينهم فقيل لهم ما قيل، وهو على هذا الوجه أكثر طباقا وأبلغ، وهذا حسن دقيق وما ذكر أولا أسرع تبادرا، وفي الكشف أن * (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي) * (الكهف: 110) في مقابلة إنكارهم الاعجاز والنبوة وقوله: * (فاستقيموا) * يقابل عدم القبول وفيه رمز إلى شيء مما سمعت فتأمل، وقرأ ابن وثاب. والأعمش * (قال إنما) * فعلا ماضيا، وقرأ النخعي. والأعمش * (يوحى) * بكسر الحاء على أنه مبني للفاعل أي يوحي الله إلى أنما الهكم إله واحد.
* (وويل للمشركين) * من شركهم بربهم عز وجل.
* (الذين لا يؤتون الزكواة وهم بالاخرة هم ك‍افرون) *.
* (الذين لا يؤتون الزكواة) * لبخلهم وعدم اشفاقهم على الخلق وذلك من أعظم الرذائل * (وهم بالآخرة هم ك‍افرون) * مبتدأ وخبر - وهم - الثاني ضمير فصل و * (بالآخرة) * متعلق بكافرون، والتقديم للاهتمام ورعاية الفاصلة، والجملة حال مشعرة بأن امتناعهم عن الزكاة لاستغراقهم في الدنيا وإنكارهم للآخرة، وحمل الزكاة على معناها الشرعي مما قاله ابن السائب، وروي عن قتادة. والحسن. والضحاك، ومقاتل، وقيل: الزكاة بالمعنى اللغوى أي لا يفعلون ما يزكي أنفسهم وهو الإيمان والطاعة.
وعن مجاهد. والربيع لا يزكون أعمالهم، وأخرج ابن جرير. وجماعة عن ابن عباس أنه قال: في ذلك أي لا يقولون لا إله إلا الله وكذا الحكيم الترمذي. وغيره عن عكرمة فالمعنى حينئذ لا يطهرون أنفسهم من الشرك، واختار ذلك الطيبي قال: والمعنى عليه فاستقيموا إليه التوحيد واخلاص العبادة له تعالى وتوبوا إليه سبحانه مما سبق لكم من الشرك وويل لكم إن لم تفعلوا ذلك كله فوضع موضعه منع إيتاء الزكاء ليؤذن بأن الاستقامة على التوحيد واخلاص العمل لله تعالى والتبري عن الشرك هو تزكية النفس، وهو أوفق لتأليف النظم، وما ذهب إليه حبر الأمة إلا لمراعاة النظم [بم وجعل قوله تعالى:
* (إن الذين ءامنوا وعملوا الص‍الح‍ات لهم أجر غير ممنون) *.
* (إن الذين ءامنوا وعملوا الص‍الحات لهم أجر غير ممنون) * أي غير مقطوع مذكورا على جهة الاستطراد تعريضا بالمشركين وان نصيبهم مقطوع حيث بم يزكوا أنفسهم كما زكوا، واستدل على الاستطراد بالآية بعد، وفي الكشف القول الأول أظهر والمشركون باق على عمومه لا من باب إقامة الظاهر مقام المضمر كهذا القول وأن الجملة معترضة كالتعليل لما أمرهم به وكذلك * (إن الذين آمنوا) * الآية لأنه بمنزلة وويل للمشركين وطوبى للمؤمنين، وفيهما من التحذير والترغيب ما يؤكد أن الأمر بالإيمان والاستقامة تأكيدا لا يخفى حاله على ذي لب، وكذلك الزكاة فيه على الظاهر، وخص من بين أوصاف الكفرة منعها لما أنها معيار على الإيمان المستكن في القلب كيف، وقد قيل: المال شقيق الروح بل قال بعض الأدباء: وقالوا شقيق الروح مالك فاحتفظ * به فأجبت المال خير من الروح أرى حفظه يقضي بتحسين حالتي * وتضييعه يفضي لتسآل مقبوح والصرف عن الحقيقة الشرعية الشائعة من غير موجب لا يجوز كيف ومعنى الايتاء لا يقر قراره، نعم لو كان بدله يأتون كما في قوله تعالى: * (ولا يأتوت الصلاة إلا وهم كسالى) * لحسن لا يقال: إن الزكاة فرضت بالمدينة والسورة مكية لأنا نقول: إطلاق الاسم على طائفة مخرجة من المال على وجه من القربة مخصوص كان شائعا قبل فرضيتها بدليل شعر أمية بن أبي الصلت الفاعلون للزكوات، على أن هذا الحق على هذا الوجه المعروف فرض بالمدينة،
(٩٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102 103 ... » »»