فما بعدها عطف على آمنوا دلالة على أن عدم نفع إيمانهم ورده عليهم تابع للإيمان عند رؤية العذاب كأنه قيل: فلما رأوا بأسنا آمنوا فلم ينفعهم إيمانهم إذ النافع إيمان الاختيار * (سنت الله التي قد خلت في عباده) * أي سن الله تعالى ذلك أعني عدم نفع الإيمان عند رؤية البأس سنة ماضية في البعاد، وهي من المصادر المؤكدة كوعد الله وصبغة الله، وجوز انتصابها على التحذير أي احذروا يا أهل مكة سنة الله تعالى في أعداء الرسل.
* (وخسر هنالك الكافرون) * أي وقت رؤيتهم البأس على أنه اسم مكان قد استعير للزمان كما سلف آنفا، وهذا الحكم خاص بإيمان البأس وأما توبة البأس فهي مقبولة نافعة بفضل الله تعالى وكرمه، والفرق ظاهر.
وعن بعض الأكابر أن إيمان البأس مقبول أيضا ومعنى * (فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا) * أن نفس إيمانهم لم ينفعهم وإنما نفعهم الله تعالى حقيقة به، ولا يخفى عليك حال هذا التأويل وما كان من ذلك القبيل والله تعالى أعلم.
ومن باب الإشارة في بعض الآيات: على ما أشار إليه بعض السادات * (حم) * (غافر: 1) إشارة إلى ما أفيض على قلب محمد صلى الله عليه وسلم من الرحمن فإن الحاء والميم من وسط الاسمين الكريمين، وفي ذلك أيضا سر لا يجوز كشفه ولما صدرت السورة بما أشار إلى الرحمة وأنها وصف المدعو إليه والداعي ذكر بعد من صفات المدعو إليه وهو الله عز وجل ما يدل على عظم الرحمة وسبقها، وفي ذلك من بشار المدعو ما فيه.
* (الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا) * (غافر: 7) الخ فيه إشارة إلى شرف الإيمان وجلالة قدر المؤمنين وإلى أنه ينبغي للمؤمنين من بني آدم أن يستغفر بعضهم لبعض؛ وفي ذلك أيضا من تأكيد الدلالة على عظم رحمة الله عز وجل ما لا يخفى * (فادعوا الله مخلصين له الدين) * (غافر: 14) بأن يكون غير مشوب بشيء من مقاصد الدنيا والآخرة * (يلقى الروح من أمره على من يشاء من عباده) * قيل: في إطلاق الروح إشارة إلى روح النبوة وهو يلقى على الأنبياء، وروح الولاية ويلقى على العارفين، وروح الدراية ويلقى على المؤمنين الناسكين * (لينذر يوم التلاق) * (غافر: 15) قيل التلاقي مع الله تعالى ولا وجود لغيره تعالى وهو مقام الفناء المشار إليه بقوله سبحانه: * (يوم هم بارزون) * من قبور وجودهم * (لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار) * (غافر: 16) إذ ليس في الدار غيره ديار * (اليوم تجزى كل نفس) * من التجلي * (بما كسبت) * في بذل الوجود للمعبود * (لا ظلم اليوم) * (غافر: 17) فتنال كل نفس من التجلي بقدر بذلها من الوجود لا أقل من ذلك.
* (وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين) * (غافر: 18) هذه قيامة العوام المؤجلة ويشير إلى قيامة الخواص المعجلة لهم، فقد قيل: إن لهم في كل نفس قيامة من العتاب والعقاب والثواب والبعاد والاقتراب وما لم يكن لهم في حساب، وخفقان القلب ينطق والنحول يخبر واللون يفصح والمشوق يستر ولكن البلاء يظهر، وإذا أزف فناء الصفات بلغت القلوب الحناجر وشهدت العيون بما تخفي الضمائر * (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور) * (غافر: 19) خائنة أعين المحبين استحسانهم تعمد النظر إلى غير المحبوب باستحسان واستلذاذ وما تخفيه الصدور من متمنيات النفوس ومستحسنات القلوب ومرغوبات الأرواح * (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) * قيل أي اطلبوني مني أجبكم فتجدوني ومن وجدني وجد كل شيء فالدعاء الذي لا يرد هو هذا الدعاء، ففي بعض الأخبار من طلبني وجدني * (إن الذين يستكبرون عن عبادتي) * دعائي وطلبي * (سيدخلون جهنم) * (غافر: 60) الحرمان