ما يليق بهم من التكاليف كما قيل: فالوحي بمعناء المشهور من بين معانيه ومطلق عن القيد المذكور أو مقيد به فيما أرى، واحتمال التقييد والاطلاق جار في قوله تعالى: * (وزينا السماء الدنيا بمصابيح) * أي من الكواكب وهي فيها وان تفاوتت في الارتفاع والانخفاض على ما يقتضيه الظاهر أو بعضها فيها وبعضها فيما فوقها لكنها لكونها كلها ترى متلألئة عليها صح كوم تزيينها بها، والالتفات إلى نون العظمة لإبراز مزيد العناية، وأما قوله تعالى: * (وحفظا) * فهو مفعول مطلق لفعل مقدر معطوف على قوله تعالى: * (زينا) * أي وحفظناها حفظا، والضمير للسماء وحفظها اما من الآفات أو من الشياطين المسترقة للسمع وتقدم الكلام في ذلك وقيل الضمير للمصابيح وهو خلاف الظاهر، وجوز كونه مفعولا لأجله على المعنى أي معطوفا على مفعول له يتضمنه الكلام السابق أي زينة وحفظا، ولا يخفى أنه تلكف بعيد لا ينبغي القول به مع ظهور الأول وسهولته كما أشار في البحر.
وجعل قوله تعالى: * (ذالك) * إشارة إلى جميع الذي ذكر بتفاصيله أي ذلك المذكور * (تقدير العزيز العليم) * أي البالغ في القدرة والبالغ في العلم، ثم قال صاحب الإرشاد بعد ما سمعت مما حكى عنه: فعلى هذا لا دلالة في الآية الكريمة على الترتيب بين إيجاد الأرض وإيجاد السماء وإنما الترتيب بين التقدير أي تقدير إيجاد الأرض وما فيها وإيجاد السماء وأما على تقدير كون الخلق وما عطف عليه من الأفعال الثلاثة على معانيها الظارة فهي تدل على تقدم خلق الأرض وما فيها وعليه اطباق أكثر أهل التفسير، ولا يخفى عليك ان حمل تلك الأفعال على ما حلمها عليه خلاف الظاهر كما هو مقربة، وعدم التعرض لخلق الأرض وما فيها بالفعل كما تعرض لخلق السموات كذلك لا يلائم دعوى الاعتناء التي أشار إليها في بيان وجه تخصيص البيان بما يتعلق بالأرض وما فيها على أن خلق ما فيها بالفعل غير ظاهر من قوله تعالى: * (فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين) * (فصلت: 11) لا سيما وقد ذكرت الأرض قبل مستقلة وذكر ما فيها مستقلا فلا يتبادر من الأرض هنا إلا تلك الأرض المستقلة لا هي مع ما فيها، وأمر تقدم خلق الأرض وتأخره سيأتي إن شاء الله تعالى الكلام فيه. وقيل: إن اتيان السماء حدوثها واتيان الأرض أن تصير مدحوة وفيه جمع بين معنيين مجازيين حيث شبه البروز من العدم وبسط الأرض وتمهيدها بالاتيان من مكان آخر وفي صحة الجمع بينهما كلام على أن في كون الدحو مؤخرا عن جعل الرواسي كلاما أيضا ستعرفه إن شاء الله تعالى، وقيل: المراد لتأت كل منكما الأخرى في حدوث ما أريد توليده منكما وأيد بقراءة ابن عباس. وابن جبير. ومجاهد * (آتيا. وقالتا اتينا) * على أن ذلك من المواتات بمعنى الموافقة، قال الجوهري: تقول آتيته على ذلك الأمر مواتاة إذا وافقته وطاوعته لأن المتوافقين يأتي كل منهما صاحبه وجعل ذلك من المجاز المرسل وعلاقته اللزوم، وقال ابن جنى: هي المسارعة وهو حسن أيضا ولم يجعله أكثر الأجلة من الايتاء لأنه غير لائح وجعله ابن عطية منه وقدر المفعول أي أعطيا من أنفسكما من الطاعة ما أردته منكما وما تقدم أحسن وما أسلفناه في أول الأوجه من الكلام يأتي نحوه هنا كما لا يخفى.
واختلف الناس في أمر التقدم والتأخر في خلق كل من السموات وما فيها والأرض وما فيها وذلك للآيات والأحاديث التي ظاهرها التعارض فذهب بعض إلى تقدم خلق الأرض لظاهر هذه الآية حيث ذكر فيها أولا خلق الأرض وجعل الرواسي فيها وتقدير الأقوات ثم قال سبحانه: * (ثم استوى إلى السماء) * (البقرة: 29) الخ وأبى أن يكون الأمر بالاتيان للأرض أمر تكوين، ولظاهر قوله تعالى في آية البقرة: * (خلق لك ما في الأرض جميعا ثم استوى