وقرأ عيسى * (بل الله) * بالرفع * (وكن من الشاكرين) * انعامه تعالى عليك الذي يضيق عنه نطاق الحصر، وفيه إشارة إلى موجب الاختصاص.
* (وما قدروا الله حق قدره والارض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون) *.
* (وما قدروا الله حق قدره) * أي ما عظموه جل جلاله حق عظمته إذ عبدوا غيره تعالى وطلبوا من نبيه صلى الله عليه وسلم عبارة غيره سبحانه قاله الحسن. والسدي، وقال المبرد: أصله من قولهم: فلان عظيم القدر يريدون بذلك جلالته، وأصل القدر اختصاص الشيء بعظم أو صغر أو مساواة، وقال الراغب: أي ما عرفوا كنهه عز وجل. وتعقب بأن معرفة كنهه تعالى أي حقيقته سبحانه لا يخص هؤلاء لتعذر الوقوف على الحقيقة، ومن هنا: العجز عن درك الإدراك إدراك * والبحث عن كنه ذات الله إشراك ولا يخفى أن المسألة خلافية، وما ذكر على تقدير التسليم يمكن دفعه بالعناية. نعم أولى منه ما قيل: أي ما عرفوه كما يليق به سبحانه حيث جعلوا له سبحانه شريكا، وظاهر كلام بعضهم أن الكلام على تقدير مضاف أي ما قدروا في أنفسهم وما تصوروا عظمة الله حق التصوف فلم يعظموه كما هو حقه عز وجل حيث وصفوه بما لا يليق بشؤنه الجليلة من الشركة ونحوها، وأيا ما كان فهو متعلق بما قبله من حيث أن فيه تجهيلهم في الإشراك ودعائهم رسوله صلى الله عليه وسلم إليه، وقيل: المعنى ما وصفوا الله تعالى حق صفته إذ جحدوا البعث ووصفوه سبحانه بأنه خالق الخلق عبثا وأنه سبحانه عاجز عن الإعادة والبعث وهو خلاف الظاهر، وعليه يكون للتمهيد لأمر النفخ في الصور، وضمير الجمع على جميع ما ذكر لكفار قريش كما روى عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، وقيل: الضمير لليهود تكلموا في صفات الله تعالى وجلاله فالحدوا وجسموا وجاءوا بكل تخليط فنزلت.
وقرأ الأعمش حق * (قدره) * بفتح الدال، وقرأ الحسن. وعيسى. وأبو نوفل. وأبو حيوة * (وما قدروا) * بتشديد الدال * (حق قدره) * بفتح الدال * (والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه) * الجملة في موضع الحال من الاسم الجليل و * (جميعا) * حال من المبتدأ عند من يجوزه أو من يقدر كأثبتها جميعا كما قيل، وهو جار مجرى الحال المؤكدة في أن العامل منتزع من مضمون الجملة، وفي " التقريب " هو حال من الضمير في * (قبضته) * لأنه بمعنى مقبوضة وكان الظاهر أن يؤخر عنه وإنما قدم عليه ليعلم أول الأمر أن الخبر الذي يرد لا يقع عن أرض واحدة أو بعض دون بعض ولكن عن الأرضين كلها أو عن جميع أبعاضها. وجاز هذا التقديم لأن المصدر لم يعمل من حيث كونه مصدرا بل لكونه بمعنى اسم المفعول، وقال الحوفي: العامل في الحال ما دل عليه قبضته لا هي، وهو كما ترى، و * (يوم القيامة) * معمول * (قبضته) * وهي في الأصل المرة الواحدة من القبض وتطلق على المقدار المقبوض كالقبضة بضم القاف وجعلت صفة مشبهة حينئذ، وجوز كل من إرادة المقبوضة والمعنى المصدري هنا، والكلام على الثاني على تقدير مضاف أي ذوات قبضته أي يقبضهن سبحانه قبضة واحدة، وقرأ الحسن * (قبضته) * بالنصب على أنه ظرف مختص مشبه بالمبهم ولذا لم يصرح بفي معه وهو مذهب الكوفيين، والبصريون يقولون: إن النصب في مثل ذلك خطأ غير جائز وأنه لا بد من التصريح بفي.
/ وقرأ عيسى. والجحدري * (مطويات) * بالنصب على أن * (السموات) * عطف على * (الأرض) * مشاركة لها في الحكم أي والسماوات قبضته، و * (مطويات) * حال من * (السموات) * عند من يجوز مجيء الحال من مثل ذلك أو من ضميرها المستتر في * (قبضته) * على أنها بمعنى مقبوضته أو من ضميرها محذوفا أي أثبها مطويات، و * (بيمينه) * متعلق بمطويات أو على أن * (السموات) * مبتدأ و * (بيمينه) * الخبر و * (مطويات) * حال أيضا إما من المبتدأ أو من الضمير المحذوف أو من الضمير المستتر في الخبر بناء على مذهب الأخفش من جواز تقديم الحال في مثل ذلك.
والكلام عند كثير من الخلف تمثيل لحال عظمته تعالى ونفاذ قدرته عز وجل وحقارة الأفعال العظام التي تتحير فيها الأوهام بالإضافة إليها بحال من يكون له قبضة فيها الأرض جميعا ويمين بها يطوي السماوات أو بحال من يكون له قبضة فيها الأرض والسماوات ويمين بها يطوي السماوات من غير ذهاب بالقبضة ولا باليمين إلى جهة حقيقة أو مجاز بالنسبة إلى المجرى عليه وهو الله عز شأنه، وقال بعضهم: المراد التنبيه على مزيد جلالته عز وجل وعظمته سبحانه بإفادة أن الأرض جميعا تحت ملكه تعالى يوم القيامة فلا يتصرف فيها غيره تعالى شأنه بالكلية كما قال سبحانه: * (الملك يومئذ لله) * والسماوات مطويات طي السجل للكتب بقدرته التي لا يتعاصاها شيء.
وفيه رمز إلى أن ما يشركونه معه عز وجل أرضيا كان أم سماويا مقهور تحت سلطانه جل شأنه وعز سلطانه فالقبضة مجاز عن الملك أو التصرف كما يقال: بلد كذا في قبضة فلان، واليمين مجاز عن القدرة التامة، وقيل: القبضة مجاز عما ذكر ونحوه والمراد باليمين القسم أي والسماوات مفنيات بسبب قسمه تعالى لأنه عز وجل أقسم أن يفنيها، وهو ما يهزأ منه لا مما يهتز استحسانا له، والسلف يقولون أيضا: إن الكلام تنبيه على مزيد جلالته تعالى وعظمته سبحانه ورمز إلى أن آلهتهم أرضية أم سماوية مقهورة تحت سلطانه عز وجل إلا أنهم لا يقولون: إن القبضة مجاز عن الملك أو التصرف ولا اليمين مجاز عن القدرة بل ينزهون الله تعالى عن الأعضاء والجوارح ويؤمنون بما نسبه إلى ذاته بالمعنى الذي أراده سبحانه وكذا يفعلون في الأخبار الواردة في هذا المقام.
فقد أخرج البخاري. ومسلم. والترمذي. والنسائي. وغيرهم عن ابن مسعود قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا محمد إنا نجد الله يحمل السماوات يوم القيامة على أصبع والأرضين على أصبع والشجر على أصبع والماء والثرى على أصبع وسائر الخلق على أصبع فيقول: أنا الملك فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر ثم قرأ رسول الله عليه الصلاة والسلام * (وما قدروا الله حق قدره) * الآية، والمتأولون يتأولون الأصابع على الاقتدار وعدم الكلفة كما في قول القائل: أقتل زيدا بأصبعي، ويبعد ذلك ظاهر ما أخرجه الإمام أحمد. والترمذي وصححه. والبيهقي. وغيرهم عن ابن عباس قال: مر يهودي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس قال: كيف تقول يا أبا القاسم إذا وضع الله السماوات على ذه وأشار بالسبابة والأرضين على ذه والجبال على ذه وسائر الخلق على ذه؟ كل ذلك يشير بأصابعه فأنزل الله تعالى * (وما قدروا الله حق قدره) * وجعل بعض المتأولين الإشارة إعانة على التمثيل والتخييل. وزعم بعضهم أن الآية نزلت ردا لليهودي حيث شبه وذهب إلى التجسيم وإن ضحكه عليه الصلاة واللام المحكي في الخبر السابق كان للرد أيضا وأن * (تصديقا له) * في الخبر من كلام الراوي على ما فهم، ولا يخفى أن ذلك خلاف الظاهر جدا، وجعلوا أيضا من باب الإعانة على التمثيل وتخييل العظمة فعله عليه الصلاة والسلام حين قرأ هذه الآية، فقد أخرج الشيخان. والنسائي. وابن ماجه. وجماعة عن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية ذات يوم المنبر * (وما قدروا الله حق قدره والأرض