بخسرانهم ما قاله سبحانه: * (وينجي) * الخ للاشعار بأن العمدة في فوز المؤمنين فضله تعالى فلذا جعل نجاتهم مسندة له تعالى حادثة له يوم القيامة غير ثابتة قبل ذلك بالاستحقاق والأعمال بخلاف هلاك الفكرة فإنهم قدموه لأنفسهم بما اتصفوا به من الكفر والضلال ولم يسند له تعالى ولم يعبر عنه بالمضارع أيضا، وفي ذلك تصريح بالوعد وتعريض بالوعيد حيث قيل: * (الخاسرون) * ولم يقل الهالكون أو المعذبون أو نحوه وهو قضية الكرم.
وعطف الجملة الاسمية على الفعلية مما لا شبهة في جوازه عند النحويين، ومما ذكرنا يعلم رد قول الإمام الرازي: إن هذا الوجه ضعيف من وجهين: الأول: وقوع الفصل الكثير بين المعطوف والمعطوف عليه. الثاني: وقوع الاختلاف بينهما في الفعلية والاسمية وهو لا يجوز، والإمام أبو حيان منع كون الفاصل كثيرا.
وقال في الوجه الثاني: إنه كلام من لم يتأمل كلام العرب ولا نظر في أبواب الاشتغال. نعم قال في " الكشف " يؤيد الاتصال بما يليه دون قوله تعالى: * (وينجي) * أن قوله سبحانه: * (وينجي الله) * متصل بقوله تعالى: * (ويوم القيامة ترى الذين كذبوا) * (الزمر: 60) فلو قيل بعده: * (والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون) * (الزمر: 63) لم يحسن لأن الأحسن على هذا المساق أن يقدم على قوله تعالى: * (وينجي الله) * على ما لا يخفى ولأنه كالتخلص إلى ما بعده من حديث الأمر بالعبادة والإخلاص إذ ذاك، وهو كلام حسن، ثم الحصر الذي يقتضيه تعريف الطرفين وضمير الفصل باعتبار الكمال كما أشرنا إليه لا باعتبار مطلق الخسران فإنه لا يختص بهم؛ وجوز أن يكون قصر قلب فإنهم يزعمون المؤمنين خاسرين.
* (قل أفغير الله تأمرونىأعبد أيها الجاهلون) *.
* (قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون) * أي أبعد الآيات المقتضية لعبادته تعالى وحده غير الله أعبد، فغير مفعول مقدم لأعبد و * (تأمروني) * اعتراض للدلالة على أنهم أمروه به عقيب ذلك وقالوا له صلى الله عليه وسلم: استلم بعض آلهتنا ونؤمن بإلهك لفرط غباوتهم ولذا نودوا بعنوان الجهل، وجوز أن يكون * (أعبد) * في موضع المفعول - لتأمروني - على أن الأصل تأمروني أن أعبد فحذفت أن وارتفع الفعل كما قيل في قوله: ألا أيهذا الزاجري احضر الوغي ويؤيد قراءة من قرأ * (أعبد) * بالنصب، و * (غير) * منصوب بما دل عليه * (تأمروني أعبد) * أي تعبدونني غير الله أي أتصيرونني عابدا غيره تعالى، ولا يصح نصبه باعبد لأن الصلة لا تعمل فيما قبلها والمقدر كالموجود، وقال بعضهم: هو منصوب به وأن بعد الحذف يبطل حكمها المانع عن العمل، وقرأ ابن كثير * (تأمروني) * بالإدغام وفتح الياء.
وقرأ ابن عامر * (تأمرونني) * بإظهار النونين على الأصل، ونافع * (تأمروني) * بنون واحدة مكسورة وفتح الياء، وفي تعيين المحذوف من النونين خلاف فقيل:
الثانية لأنها التي حصل بها التكرار، وقيل: الأولى لأنها حرف إعراب عرضة للتغيير.
* (ولقد أوحى إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) *.
* (ولقد أوحى إليك وإلى الذين من قبلك) * أي من الرسل عليهم السلام * (لئن أشركت) * أي بالله تعالى شيئا ما * (ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين) * الظاهر أن جملة * (لئن) * الخ نائب فاعل * (أوحى) * لكن قيل في الكلام حذف والأصل أوحى إليك لئن أشرت ليحبطن عملك الخ، وإلى الذين من قبك مثل ذلك، وقيل: لا حذف، وإفراد الخطاب باعتبار كل واحد منه صلى الله عليه وسلم والمرسلين الموحي إليهم فإنه أوحى لكل * (لئن أشركت) * الخ بالافراد، وذهب البصريون إلى أن الجمل لا تكون فاعلة فلا تقوم مقام الفاعل، ففي " البحر " أن * (إليك) * حينئذ نائب الفاعل، والمعنى كما قال مقاتل أوحى إليك وإلى الذين