تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٤ - الصفحة ٢٨
عن وهب أنه من لؤلؤة بيضاء في صفاء الزجاجة به ثقب دقيقة بعدد الأرواح وفي وسطه كوة كاستدارة السماء والأرض ونحن نؤمن به ونفوض كيفيته إلى علام الغيوب جل شأنه. وأنكر بعضهم ذلك وقال: هو جمع صورة كما في قراءة قتادة. وزيد بن علي * (في الصور) * بفتح الواو وقد مر الكلام في ذلك، والتعبير بالماضي لتحقق الوقوع، وبني الفعل للمفعول لعدم تعلق الغرض بالفاعل بل الغرض إفادة هذا الفعل من أي فاعل كان فكأنه قيل. ووقع النفخ في الصور * (فصعق من في السموات ومن في الأرض) * أي ماتوا بسبب ذلك، ويحتمل أنهم يغشى عليهم أولا ثم يموتون، ففي الأساس صعق الرجل إذا غشي عليه من هدة أو صوت شديد يسمعه وصعق إذا مات. وفي " صحيح مسلم " من حديث طويل فيه ذكر الدجال " ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغي ليتا ورفع ليتا فأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله فيصعق ويصعق الناس ". وقرىء * (فصعق) * بضم الصاد * (إلا من شاء الله) * قال السدي: جبريل. وإسرافيل. وميكائيل. وملك الموت عليهم السلام، وقيل: هم وحملة العرش فإنهم يموتون بعد، وفي ترتيب موتهم اضطراب مذكور في " الدر المنثور "، وقيل: رضوان والحور ومالك والزبانية وروى ذلك عن الضحاك، وقيل: من مات قبل ذلك أي يموت من في السماوات والأرض إلا من سبق موته لأنهم كانوا قد ماتوا؛ قال في البحر: وهذا نظير * (لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى) * (الدخان: 56) ومن الغريب ما حكى فيه أن المستثنى هو الله عز وجل، ولا يخفى عليك حاله متصلا كان الاستثناء أم منقطعا، وقيل: هو موسى عليه السلام وسيأتي الكلام إن شاء الله تعالى في تحقيق ذلك، وقيل غير ذلك.
ويراد بالسماوات على أكثر الأقوال جهة العلو وإلا لم يتصل الاستثناء فإن حملة العرش مثلا ليسوا في السماوات بالمعنى المعروف، وقيل: إنه لم يرد في التعيين خبر صحيح * (ثم نفخ فيه) * أي في الصور وهو ظاهر في أنه ليس بجمع وإلا لقيل فيها * (أخرى) * أي نفخة أخرى، وهو يدل على أن المراد بالأول ونفخ في الصور نفخة واحدة كما صرح به في مواضع لأن العطف يقتضي المغايرة فلو أريد المطلق الشامل للأخرى لم يكن لذكرها ههنا وجه، و * (أخرى) * تحتمل النصب على أنها صفة مصدر مقدر أي نفخة أخرى، والرفع على أنها صفة لنائب الفاعل، وعلى الأول كان النائب عنه الظرف. وصح في " صحيحي البخاري ". ومسلم أن الله تعالى ينزل بين النفختين ماء من السماء جاء في بعض الروايات أنه كالطل بالمهملة وفي بعضها كمني الرجال فتنبت منه أجساد الناس وإن بين النفختين أربعين وهذا عن أبي هريرة مرفوعا ولم يبين فيه ما هذه الأربعون.
وفي حديث أخرجه أبو داود أنها أربعون عاما، وأخرج عبد بن حميد عن عبد الله بن العاص قال: ينفخ في الصور النفخة الأولى من باب إيلياء الشرقي أو قال الغربي والنفخة الثانية من باب آخر * (فإذا هم قيام) * قائمون من قبورهم * (ينظرون) * أي نتظرون ما يؤمرون أو ينتظروم ماذا يفعل بهم، وقيل: يقلبون أبصارهم في الجهات نظر المبهوت إذا فاجأه خطب عظيم. وتعقب بأن قولهم عند قيامهم * (من بعثنا من مرقدنا) * (يس: 52) يأباه ظاهرا نوع إباء.
وجوز أن يكون قيام من القيام مقابل الحركة أي فإذا هم متوقفون جامدون في أمكنتهم لتحيرهم. واعترض بأن قوله تعالى: * (ونفخ في الصور فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون) * (يس: 51) ظاهر في خلافه لأن النسل الاسراع
(٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 ... » »»