يخلقه الله تعالى بلا واسطة أجسام مضيئة كشمس وقمر، واختاره الإمام وجعل الإضافة من باب * (ناقة الله) * وعن محيي السنة تفسير بتجلي الرب لفصل القضاء، وعن الحسن. والسدي تفسيره بالعدل وهو من باب الاستعارة وقد استعير لذلك وللقرآن والبرهان في مواضع من التنزيل أي وأشرقت الأرض بما يقيمه فيها من الحق والعدل ويبسط سبحانه من القسط في الحساب ووزن الحسنات والسيئات، واختار هذا الزمخشري وصحح أولا تلك الاستعارة بتكررها في القرآن العظيم، وحققها ثانيا بقوله: وينادي على ذلك إضافته إلى اسمه تعالى لأنه عز وجل هو الحق العدل إشارة إلى الصارف إلى التأويل، وعينها ثالثها بإضافة إسمه تعالى الرب إلى الأرض لأن العدل هو الذي يتزين به الأرض لا البرهان مثلا، ورابعا بما عطف على إشراق الأرض من وضع الكتاب والمجيء بالنبيين والشهداء والقضاء بالحق لأنه كله تفصيل العدل بالحقيقة، وأيدها خامسا بالعرف العام فإن الناس يقولون للملك العادل: أشرقت الآفاق بعدلك وأضاءت الدنيا بقسطك، وسادسا بقوله صلى الله عليه وسلم: " الظلم ظلمات يوم القيامة " فإنه يقتضي أن يكون العدل نورا فيه، وسابعا بأن فتح الآية وختمها بنفي الظلم يدل عليه ليكون من باب رد العجز على الصدر على طريقة الطرف والعكس. ورجح ما اختار الإمام بأن الأصل الحقيقة ولا صارف لأن الإضافة تصح بأدنى ملابسة، وأيد ما حكى عن محيى السنة ببعض الأحاديث.
وتعقب ذلك صاحب الكشف فقال: إن إضافة الملابسة مجاز والترجيح لما اختاره جار الله لما ذكر من الفوائد ولأنه الشائع في استعمال القرآن، ألا ترى إلى قوله تعالى: * (الله نور السموات والأرض) * (النور: 35) وأما تجلي الرب سبحانه فسواء حمل على تجلي الجلال أو تجلي الجمال لا يقتضي إشراق الأرض بنور إلا بأحد المعنيين أعني العدل أو عرضا يخلقه الله تعالى عند التجلي في الأرض فلو توهم من تجليه تعالى أنه ينعكس نور منه على الأرض لاستحال إلا بالتفسير المذكور فليس قولا ثالثا لينصر ويؤيد بالحديث الذي لا يدل على أنه تفسير الآية المشتمل على حديث الرؤية وإلقاء ستره تعالى على العبد يذكر ما فعل به وما جنى انتهى، ولعل الأوفق بما يشعر به كثير من الأخبار أن قوله سبحانه: * (وأشرقت الأرض بنور ربها) * (الزمر: 69) إشارة إلى تجليه عز وجل لفصل القضاء وقد يعبر عنه بالاتيان، وقد صرح به في قوله تعالى: * (يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة) * (البقرة: 210) ولم يتأول ذلك السلف بل أثبتوه له سبحانه كالنزول على الوجه الذي أثبته عز وجل لنفسه. ولا يبعد أن يكون هذا النور هو النور الوارد في الحديث الصحيح * (إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل حجابه النور) * ويقال فيه كالحجاب نحو ما قال السلف في سائر المتشابهات أو هو نو آخر يظهر عند ذلك التجلي، ولا أقول: هو نور منعكس من الذات المقدس انعكاس نور الشمس مثلا من الشمس بل الأمر فوق ما تنتهي إليه العقول، وأني وهيهات وكيف ومتى يتصور إلى حقيقة ذلك الوصول، ويومىء إلى أن ذلك التجلي مقرون بالعدل التعبير بعنوان الربوبية مضافا إلى ضمير الأرض والله تعالى أعلم بمراده. وقرأ ابن عباس. وعبيد بن عمير. وأبو الجوزاء * (أشرقت) * بالبناء للمفعول، قال الزمخشري: من شرقت بالضوء تشرق إذا امتلأت به واغتصت وأشرقها الله تعالى كما تقول: ملأ الأرض عدلا وطبقها عدلا، وقال ابن عطية: هذا إنما يترتب من فعل يتعدى فهذا