تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٤ - الصفحة ٣٧
* (وقضي بينهم بالحق) * أي بين العباد كلهم بإدخال بعضهم الجنة وبعضهم النار فإن القضاء المعروف يكون بينهم، ولوضوح ذلك لا يضر كون الضمير لغير الملائكة مع أن ضمير * (يسبحون) * لهم إذ التفكيك لا يمتنع مطلقا كما توهم، وقيل: ضمير * (بينهم) * للملائكة واستظهره أبو حيان، وثوابهم وإن كانوا كلهم معصومين يكون على حسب تفاضل أعمالهم فيختلف تفاضل مراتبهم فإقامة كل في منزلته حسب عمله هو القضاء بينهم بالحق.
* (وقيل الحمد لله رب الع‍المين) * أي على ما قضى بيننا بالحق، والقائل قيل: هم المؤمنين المقضي لهم لا ما يعمهم والمقضي عليهم، وحمدهم الأول على إنجاز وعده سبحانه وإيراثهم الأرض يتبوؤون من الجنة ما شاؤا، وحمدهم هذا على القضاء بالحق بينهم فلا تكرار.
وقال الطيبي: إن الأول للتفصلة بين الفريقين بحسب الوعد والوعيد والسخط والرضوان، والثاني للتفرقة بينهما بحسب الأبدان ففريق في الجنة وفريق في السعير والأول أحسن، وقيل: هم الملائكة يحمدونه تعالى على قضائه سبحانه بينهم بالحق وإنزال كل منهم منزلته، وعليه ليس في الحمدين شائبة تكرار لتغاير الحامدين.
وقيل: * (قيل) * دون قالوا لتعينهم وتعظيمهم، وجوز كون القائل جميع العباد منعمهم ومعذبهم؛ وكأنه أريد أن الحمد من عموم الخلق المقضي بينهم هنا إشارة إلى التمام وفصل الخصام كما يقوله المنصرفون من مجلس حكومة ونحوها، فيحمده المؤمنون لظهور حقهم وغيرهم لعدله واستراحتهم من انتظار الفصل، ففي بعض الآثار أنه يطول الوقوف في المحشر على العباد حتى إن أحدهم ليقول: رب أرحني ولو إلى النار، وقيل: إنهم يحمدونه إظهارا للرضا والتسليم.
وقال ابن عطية: هذا الحمد ختم للأمر يقال عند انتهاء فصل القضاء أي إن هذا الحاكم العدل ينبغي أن يحمد عند نفوذ حكمه وإكمال قضائه، ومن هذه الآية جعلت * (الحمد لله رب العالمين) * خاتمة المجالس في العلم، هذا والحمد لله رب العالمين وصلاته وسلامه على رسوله محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين.
ومن باب الإشارة في بعض الآيات: * (فاعبد الله مخلصا له الدين) * (الزمر: 2) أي اعبده تعالى بنفسك وقلبك وروحك مخلصا، وإخلاص العبادة بالنفس التباعد عن الانتقاص، وإخلاص العبادة بالقلب العمى عن رؤية الأشخاص، وإخلاص العبادة بالروح نفي طلب الاختصاص. وذكر أن المخلص من خلص بالجود عن حبس الوجود * (إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار) * (الزمر: 3) فيه إشارة إلى تهديد من يدعي رتبة من الولاية ليس بصادق فيها وعقوبته حرمان تلك الرتبة * (يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل) * (الزمر: 5) فيه إشارة إلى أحوال السائرين إلى الله سبحانه من القبض والبسط والصحو والسكر والجمع والفرق والستر والتجلي وغير ذلك * (في ظلمات ثلاث) * (الزمر: 6) قيل: يشير إلى ظلمة الإمكان وظلمة الهيولى وظلمة الصورة * (أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما) * يشير إلى القيام بآداب العبودية ظاهرا وباطنا من غير فتور ولا تقصير * (يحذر الآخرة) * ونعيمها كما يحذر الدنيا وزينتها * (ويرجو رحمة ربه) * رضاه سبحانه عنه وقربه عز وجل: * (قل هل يستوي الذين يعلمون) * قدر معبودهم جل شأنه فيطلبونه * (والذين لا يعلمون) * ذلك فيطلبون ما سواه * (إنما يتذكر) * حقيقة الأمر * (أولو الألباب) * (الزمر: 9) وهم الذين انسلخوا من جلد وجودهم وصفوا عن شوائب أنانيتهم * (قل يا عبادي الذين آمنوا) * بي شوقا إلي * (اتقوا ربكم) * فلا تطلبوا غيره سبحانه * (للذين أحسنوا) * (الزمر: 10) في طلبي في هذه الدنيا بأن لم يطلبوا مني غيري
(٣٧)
مفاتيح البحث: الظلم (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 ... » »»