تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٤ - الصفحة ١١٠
وقيل: يحتمل أن يراد ما يعم رسول الرسول، وجوز في الأول أن يكون باعتبار أفراد القبيلتين، وذكروا في * (إذ) * أوجها من الإعراب. الأول: أنه ظرف لأنذرتكم. الثاني: أنه صفة لصاعقة الأولى، وأورد عليهما لزوم كون إنذاره عليه الصلاة والسلام والصاعقة التي أنذر بها واقعين في وقت مجيء الرسل عادا وثمود وليس كذلك. الثالث: أنه صفة لصاعقة الثانية، وتعقب بأنه يلزم عليه حذف الموصول مع بعض صلته وهو غير جائز عند البصريين أو وصف المعرفة بالنكرة. الرابع: واختاره أبو حيان أن معمول لصاعقة عاد وثمود بناء على أن المراد بها العذاب وإلا فهي بالمعنى المعروف جثة لا يتعلق بها الظرف وفيه شيء لا يخفى. الخامس: واختاره غير واحد أنه حال منها لأنها معرفة بالإضافة، وبعضهم يجوز كونه حالا من الأولى أيضا لتخصصها بالوصف بالمتخصص بالإضافة فتكون الأوجه ستة، وقوله تعالى: * (من بيحن أيديهم ومن خلفهم) * متعلق بجاءتهم، والضمير المضاف إليه لعاد وثمود، والجهتان كناية عن جميع الجهات على ما عرف في مثله أي أتتهم الرسل من جمع جهاتهم، والمراد بإتيانهم من جميع الجهات بذل الوسع في دعوتهم على طريق الكناية ويجوز أن يراد بما بين أيديهم الزمن الماضي وبما خلفهم المستقبل وبالعكس واستعير فيه ظرف المكان للزمان والمراد جاؤهم بالإنذار عما جرى على أمثالهم الكفرة في الماضي وبالتحذير عما سيحيق بهم في الآخرة.
وروى هذا عن الحسن، وجوز كون الضمير المضاف إليه للرسل والمراد جاءتهم الرسل المتقدمون والمتأخرون على تنزيل مجيء كلامهم ودعوتهم إلى الحق منزلة مجيء أنفسهم فإن هودا. وصالحا كانا داعيين لهم إلى الايمان بهما وبجميع الرسل ممن جاء من بين أيديهم وممن يجيء من خلفهم فكأن الرسل قد جاؤهم وخاطبوهم بقوله تعالى: * (ألا تعبدوا إلا الله) * وروى هذا الوجه عن ابن عباس. والضحاك، وإليه ذهب الفراء. ونص بعض الأجلة على أن * (من بين أيديهم) * عليه حال من الرسل لا متعلق بجاءتهم، وجمع الرسل عليه ظاهر، وقيل: يحتمل أن يكون كون الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم كناية عن الكثرة كقوله تعالى: * (يأتيها رزقها رغدا من كل مكان) * (النحل: 112) وقال الطبري: الضمير في قوله تعالى: * (من بين أيديهم) * لعاد. وثمود وفي قوله تعالى: * (ومن خلفهم) * للرسل وتعقبه في " البحر " بأن فيه خروجا عن الظاهر في تفريق الضمائر وتعمية المعنى إذ يصير التقدير جاءتهم الرسل من بين أيديهم وجاءتهم من خلف الرسل أي من خلف أنفسهم ، وهذا معنى لا يتعقل إلا أن كان الضمير عائدا في * (من خلفهم) * على الرسل لفظا وهو عائد على رسل آخرين معنى فكأنه قيل: جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلف رسل آخرين فيكون كقولهم: عندي درهم ونصفه أي ونصف درهم آخر، وبعده لا يخفى.
وخص بالذكر من الأمم المهلكة عاد وثمود لعلم قريش بحالهما ولوقوفهم على بلادهم في اليمن والحجر، و * (أن) * يصح أن تكون مفسرة لمجيء الرسل لأنه بالوحي وبالشرائع فيتضمن معنى القول و * (لا) * ناهية وأن تكون مصدرية ولا ناهية أيضا، والمصدرية قد توصل بالنهي كما توصل بالأمر على كلام فيه، وجعل الحوفي * (لا) * نافية و * (أن) * ناصبة للفعل، وقيل: إنها المخففة من الثقيلة ومعها ضمير شأن محذوف، وأورد عليها أنها إنما تقع بعد أفعال اليقين وإن خبر باب أن لا يكون طلبا إلا بتأويل، وقد يدفع بأنه بتقدير القول وإن مجيء الرسل كالوحي معنى فيكون مثله في وقوع أن بعده لتضمنه ما يفيد اليقين كما أشار إليه الرضى وغيره، ولا يخفى ما فيه من التكلف المستغني عنه؛ وعلى احتمال كونا مصدرية وكونها مخففة يكون الكلام بتقدير حرف
(١١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 105 106 107 108 109 110 111 112 113 114 115 ... » »»