كأن سلافه مزجت بنحس وقيل: نحسات ذوات غبار، وإليه ذهب الجبائي ومنه قول الراجز: قد اغتدى قبل طلوع الشمس * للصيد في يوم قليل النحس يريد قليل الغبار، وكانت هذه الأيام من آخر شباط وتسمى أيام العجوز، وكانت فيما روي عن ابن عباس. ومجاهد. وقتادة آخر شوال من الأربعاء إلى الأربعاء، وروى ما عذب قوم إلا في يوم الأربعاء، وقال السدي: أولها غداة يوم الأحد، وقال الربيع بن أنس: يوم الجمعة * (لنذيقهم عذابالخزي في الحيواة الدنيا) * أضيف العذاب إلى الخزي وهو الذل على قصد وصفه به لقوله تعالى: * (ولعذاب الآخرة أخزى) * وهو في الأرض صفة المعذب وإنما وصف به العذاب على الإسناد المجازي للمبالغة، فإنه يدل على أن ذل الكافر زاد حتى اتصف به عذابه كما قرر في قولهم: شعر شاعر، وهذا في مقابلة استكبارهم وتعظمهم. وقرىء * (لتذيقهم) * بالتاء على أن الفاعل ضمير الريح أو الأيام النحسات * (وهم لا ينصرون) * بدفع العذاب عنهم بوجه من الوجوه.
* (وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون) *.
* (وأما ثمود فهديناهم) * قال ابن عباس. وقتادة. والسدي: أي بينا لهم، وأرادوا بذلك على ما قيل بيان طريقي الضلالة والرشد كما في قوله تعالى: * (وهديناه النجدين) * وهو أنسب بقوله تعالى: * (فاستحبوا العمى على الهدى) * أي فاختاروا الضلالة على الهدى فالظاهر في أنه بين لهم الطريقان فاختاروا أحدهما، وصرح ابن زيد بذلك فقد حكي عنه أنه قال: أي اعلمناهم الهدى من الضلال، وفسر غير واحد الهداية هنا بالدلالة أي فدللناهم على الحق بنصب الحجج وإرسال الرسل فاختاروا الضلال ولم يفسروها بالدلالة الموصلة لإباء ظاهر * (فاستحبوا) * الخ عنه.
واستدل المعتزلة بهذه الآية على أن الإيمان باختيار العبد على الاستقلال بناء على أن قوله تعالى: * (هديناهم) * دل على نصب الأدلة وإزاحة العلة، وقوله تعالى: * (استحبوا العمى) * الخ دل على أنهم بأنفسهم آثروا العمى.
والجواب كما في " الكشف " أن في لفظ الاستحباب ما يشعر بأن قدرة الله تعالى هي المؤثرة وأن لقدرة العبد مدخلا ما فإن المحبة ليست اختيارية بالاتفاق وإيثار العمى حبا وهو الاستحباب من الاختيارية، فانظر إلى هذه الدقيقة تر العجب العجاب، وإلى نحوه أشار الإمام الداعي إلى الله تعالى قدس سره، ومعنى كون المحبة ليست اختيارية أنها بعد حصول ما تتوقف عليه من أمور اختيارية تكون بجذب الطبيعة من غير اختيار للشخص في ميل قلبه وارتباط هواه بمن يحبه، فهي نفسها غير اختيارية لكنها باعتبار مقدماتها اختيارية، ولذلك كلفنا بمحبة الله تعالى ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم. وفي طوق الحمامة لابن سعيد أن المحبة ميل روحاني طبيعي، وإليه يشير قوله عز وجل: * (وجعل منها زوجها ليسكن إليها) * (الأعراف: 189) أي يميل فجعل علة ميلها كونها منها، وهو المراد بقوله عليه الصلاة والسلام: * (الأرواح جنود مجندة) * وتكون المحبة لأمور أخر كالحسن والإحسان والكمال، ولها آثار يطلق عليها محبة كالطاعة والتعظيم، وهذه هي التي يكلف بها لأنها اختيارية فاعرفه. وقرأ ابن وثاب. والأعمش. وبكر بن حبيب * (وأما ثمود) * بالرفع مصروفا.
وقد قرأ الأعمش. وابن وثاب بصرفه في جميع القرآن إلا في قوله تعالى: * (وآتينا ثمود الناقة) * (الإسراء: 59) لأنه في المصحف بغير ألف. وقرأ ابن أبي إسحاق. وابن هرمز بخلاف عنه. والمفضل، قال ابن عطية: والأعمش