تفسير الآلوسي - الآلوسي - ج ٢٤ - الصفحة ١٠٦
السابق نص في أن جعل الجبال في الأرض بعد خلق السماء وهو ظاهر آية النازعات إذ كان بعد ذلك معتبرا في قوله تعالى: * (والجبال أرساها) * (النازعات: 32) وآية حم السجدة ظاهرة في أن جعل الجبال قبل خلق السموات، ثم إن رواية ابن جرير المذكورة عنه مخالفة لخبر مسلم عن أبي هريرة قال: " أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال: خلق الله تعالى التربة يوم السبت وخلق فيها الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الإثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الأربعاء وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق آدم بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق في آخر ساعة من النهار فيما بين العصر إلى الليل " واستدل في " شرح المهذب " بهذا الخبر على أن السبت أول أيام الأسبوع دون الأحد ونقله عن أصحابه الشافعية وصححه الأسنوي وابن عساكر، وقال العلامة ابن حجر: هو الذي عليه الأكثرون وهو مذهبنا يعني الشافعية كما في الروضة وأصلها بل قال السهيلي في روضه لم يقل بأن أوله الأحد إلا ابن جرير، وجرى النووي في موضع على ما يقتضي أن أوله الأحد فقال: في يوم الإثنين سمي به لأنه ثاني الأيام. وأجيب بأنه جرى في توجيه التسمية المكتفى فيه بأدنى مناسبة على القول الضعيف.
وانتصر القفال من الشافعية لكون أوله الأحد بأن الخبر المذكور تفرد به مسلم وقد تكلم عليه الحفاظ. على ابن المديني. والبخاري. وغيرهما وجعلوه من كلام كعب وأن أبا هريرة إنما سمعه منه ولكن اشتبه على بعض الرواة فجعله مرفوعا. وأجيب بأن من حفظ الرفع حجة على من لم يحفظه والثقة لا يرد حديثه بمجرد الظن ولأجل ذلك أعرض مسلم عما قاله أولئك واعتمد الرفع وخرج طريقه في " صحيحه " فوجب قبولها. وذكر أحمد بن المقري المالكي أن الإمام أحمد رواه أيضا في مسنده عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ شبك بيدي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم وقال: " خلق الله تعالى الأرض يوم السبت " الحديث، وفي " الدر المنثور " عدة أخبار عن ابن عباس ناطقة بأن مبدأ خلق الأرض كان يوم الأحد، وفيه أيضا أخرج ابن جرير عن أبي بكر رضي الله تعالى عنه قال: " جاء اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد أخبرنا ما خلق الله تعالى من الخلق في هذه الأيام الستة فقال: خلق الله تعالى الأرض يوم الأحد والإثنين وخلق الجبال يوم الثلاثاء وخلق المدائن والأقوات والأنهار وعمرانها وخرابها يوم الأربعاء وخلق السموات والملائكة يوم الخميس إلى ثلاث ساعات يعني من يوم الجمعة وخلق في أول ساعة الآجال وفي الثانية الآفة وفي الثالثة آدم قالوا: صدقت أن تممت فعرف النبي صلى الله عليه وسلم ما يريدون فغضب فأنزل الله تعالى وما مسنا من لغوب فاصبر على ما يقولون ".
واليهود قاطبة على أن أول الأسبوع يوم الأحد احتجاجا بما يسمونه التوراة وظاهره الاشتقاق يقتضي ذلك.
ومن ذهب إلى أن الأول السبت قال: لا حجة في ذلك لأن التسمية لم تثبت بأمر من الله تعالى ولا من رسوله صلى الله عليه وسلم فلعل اليهود وضعوا أسماء الأسبوع على ما يعتقدون فأخذتها العرب عنهم ولم يرد في القرآن إلا الجمعة والسبت وليسا من أسماء العدد على أن هذه التسمية لو ثبتت عن العرب لم يكن فيها دليل لأن العرب تسمى خامس الورد ربعا وتاسعه عشرا وهذا هو الذي أخذ منه ابن عباس قوله الذي كاد ينفرد به أن يوم عاشوراء هو يوم تاسع المحرم وتاسوعاء هو يوم ثامنه، ولا يخفى أن الجواب الأول خارج عن الانصاف فلأيام الأسبوع عند العرب أسماء أخر فيها ما يدل على ذلك أيضا، وهي أول وأهون وجبار ودبار ومؤنس وعروبة وشيار، ولا يسوغ لمنصف أن يظن أن العرب تبعوا في ذلك اليهود وجاء الإسلام وأقرهم على ذلك، وليت شعري إذا كانت تلك الأسماء وقعت متابعة لليهود فما الأسماء الصحيحة التي وضعها واضع
(١٠٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 101 102 103 104 105 106 107 108 109 110 111 ... » »»